وكان لقبائل العرب قضاة نجد بينهم بعضاً من الدائنين بالنصرانية نخص منهم بالذكر قس بن ساعدة أسقف نجران المدعو بحكيم العرب وحكمهم. وزهير بن جناب القضاعي وذو الإصبع العدواني (راجع ترجمتهم في شعراء النصرانية) .

وقد اشتهر في الجاهلية قضاة بني تميم وأغلبهم نصارى بينهم أسقف نصراني مر لنا ذكره (ص126 و251) وهو محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم (نقائض جرير والفرزدق ص453) وقد ورد هناك عن حكام تميم ما حرفه (ص139) : "كان حكام بني تميم في الجاهلية ستة: ربيعة بن محاسن أحد بني أسد بن عمرو بن تميم. وزرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم. وضمرة بن ضمرة النهشلي. وأكثم بن صيفي وأبوه صيفي من بني أسيد بن عمرو. والأقرع بن حابس حتى بعث الله نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - وهو الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفين بن مجاشع". وقال في تفسير قول جرير (ص438) : "ونحن الحاكمون في عكاظ": أنّ الحكام والأئمة في الموسم (أي عكاظ) كانوا بعد عامر بن ظرب في بني تميم فكان الرجل يلي الموسم منهم ويلي غيره القضاء. فكان من اجتمع له الموسم والقضاء جميعاً سعد بن زيد مناة بن تميم. ثم ولي ذلك حنظلة بن مالك بن زيد مناة ووليه ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم. ثم وليه مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. ثم الأصبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد. ثم صلصل بن أوس بن مخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة. وكان آخر تميمي اجتمع له القضاء والموسم سفيان بن مجاشع فمات حتى جاء الإسلام وكان محمد بن سفين بن مجاشع يقضي بعكاظ فصار ميراثاً لهم فكان آخر من قضى منهم الذي وصل إلى الإسلام الأقرع بن حابس".

2 الصنائع بين عرب الجاهلية

إن كان العرب في الجاهلية قد استغنوا عن كثير من العلوم لعدم حاجتهم إليها ليس الأمر كذلك في الصنائع فإنهم كانوا من سذاجة عيشهم يحتاجون إلى الكثير من المصنوعات التي لا تنال إلا بالحرف والصناعات كالمأكول والملبوس والأسلحة والمعاملات التجارية. وقد كان النصارى من العرب اليد الطولى في كل ذلك كما سترى.

(صناعة النسيج والحياكة) هذه الصناعة من مذاهب الحضارة. فكان عرب البادية يجهلونها وإنما شاعت بين عرب الحضر وأكثر ما نرى شيوعها بين نصارى العرب في جهات اليمن والبحرين والشام وفي بلاد قضاعة وكانوا يبيعون بعضها من أقباط مصر. وهذه بعض الشواهد على إثبات قولنا.

قال الثعالبي في لطائف المعارف (طبعة لندن ص28) أن أهل اليمن "كانوا يعيّرون بالحياكة" وكان المثل يضرب برياط اليمن وببرود اليمن وربما كان يخططونها. قال أوس بن حجر:

فإني رأيتُ العرضَ أحوجَ ساعةً ... إلى الصوّن من ريطٍ يمانٍ مسهّمِ

وكانت البرود اليمنية غالية الثمن (التاج 2: 300) ومنها ما كان يصطنع في نجران. جاء في صحيح البخاري في باب البرود أن صاحب الإسلام كان يلبس "بُرداً نجرانياً غليظ الحاشية". وقد وصفوا أنواعاً من برود اليمن ذكرها ابن سيدة في المخصص (4: 72) كالعصب قال "وهو ضرب من الثياب يعصب غزله ويدرج ثم يصبغ ويحاك يقال بٌرد عصبٍ". وكالمراجل يقال ثوب ممرجل أي على صنعة المرجل وهو ضرب من الوشي. وكالخال وهو الثوب الناعم. وكالحِبرة والحَبرة وكلها من برود اليمن.

ومما نسب من الثياب إلى مخاليف اليمن الوشي العبقري المنسوب إلى عبقر من أرض اليمن والطنافس العبقرية. قال ياقوت (في مادة عبقر) : "بنو يزيد ينسجون الصوف فعملوا منها الزرابي العبقرية وعملوا البرود اليزيدية". ومما نسب إلى شرعب المخلاف باليمن البرود الشرعبية. ونسب إلى مخلاف جيشان الخمر الجيشانية. وإلى سحول وريدة قريتين في اليمن الثياب السّحولية المصنوعة من القطن الأبيض قال طرفة (ديوانه 76) :

وبالسّفح آياتٌ كأنَّ رسومها ... يمانٍ وشتْهُ ريدةٌ وسحولُ

وإلى السدير من أرض اليمن نسبوا البرود السديرية قال الأعشى:

وبيداءُ قفر كبُرد السديرِ ... مشاربها دائراتٌ أُجنْ

وكان اليمنيون يعملون الرحال وينقشونها ويحسنون صنعها قال جرير (نقائض 756) يصف رحالاً:

ومنقوشةٍ نقش الدنانير عوليتْ ... على عجلٍ فوق العتاق العياهمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015