ومنها (الناؤوس) جمعها نواويس، قال في التاج (4: 256) النواويس مقابر النصارى، والمرجع أن أصل الكلمة من اليونانية (كلمة يونانية) ومعناها الهيكل والمدفن ومما ذكروه للنصارى (البوق) وهو النفير الذي ينفخ فيه أنشد الأصمعي (التاج 6: 301) للعلبكم (كذا) الكندي: "زمر النصارى زمرت في البوق".

يريد هنا الروم الذين كانوا ينفخون الأبواق في حفلاتهم.

ومن غريب ما نسبوا إلى النصارى إكرام (الوثن) كما مر سابقاً وقالوا "الوثن الصليب" وكذلك دعوا الصليب والتماثيل التقوية عند النصارى (أصناماً) .

كما دعاها جرير (بالزون) بمعنى الصنم أيضاً، حيث قال (تاج العروس 9: 229) : "مشي الهرابذِ حجُّوا بيعة الزُّونِ" وفي هذه الأقوال غلط فاحشٌ لأن النصارى لم يعبدوا قط الوثن أو الصنم أو الزون، فضلاً عن كون الهرابذة هم المجوس، وإنما يكرمون الصليب والصور لما تمثل لهم من شخص السيد المسيح المصلوب وأولياء الله، وشتان بين هذا وعبادة الأصنام.

الفصل الثالث

في الأعلام النصرانية

أن أعلام الأشخاص في الأمم القديمة من أصدق الشواهد على معتقداتها فلذلك أردنا أن نفرد باباً خاصاً للإعلام النصرانية التي نجد آثارها في جهات العرب قبل الإسلام فلعلها تزيدنا علماً بما كان للدين المسيحي من النفوذ في الجزيرة العربية.

ومما ينبغي التنبيه إليه بادئ بد أن الأعلام التي ذكرها قدماء الكتبة قبل المسيح للعرب والتي ورد ذكرها لهم في آثار الآشوريين ثم اليونان ثم الرومان لا تفيدنا شيئاً بالإطلاق على توحيدهم بل كثير منها على خلاف ذلك يوقفنا على عبادتهم للأوثان وخصوصاً للشمس والقمر والكواكب كما أثبتنا ذلك في مقدمة القسم الأول من كتابنا هذا، وكذلك يستدل من تلك الأسماء أن العرب كانوا يعظمون مواليد الطبيعة من جماد ونبات وحيوان فكثرة الإعلام الدالة على هذه المواليد لا يمكن تعليلها إلا بالقول أن العرب الهوا الطبيعة في مظاهرها من القوة والجمال والحياة فرأوا فيها تجليات معبوداتهم.

ومما يولي العجب أننا لا نجد بين هذه الإعلام القديمة السابقة لعهد المسيح اسماً واحداً يثبت لنا ما زعمه بعض كتبة العرب بعد الإسلام حيث قالوا بلا سند أن العرب كانوا موحدين وأنهم اخذوا التوحيد عن إبراهيم الخليل وعن إسماعيل أبنه ثم توارثوه بتوالي الإعصار فالأعلام الواردة في الآثار القديمة تنفي هذا الزعم حتى أن اسم إسماعيل أبي العرب عينه لم يرو لأحد منهم في تلك الكتابات وعلى خلاف ذلك أننا نجد في تلك الأعلام مالا يدع شبهاً في شرك العرب كبقية الأمم.

هذا إلى عهد المسيح، وليس الأمر كذلك بعد ظهور النصرانية فإننا إذا استقرينا الأعلام العربية التي رواها أقدم كتبة العرب عن تاريخهم المتوسط بين عهد السيد المسيح إلى ظهور الإسلام أمكنا أن نبين من تعدادها أن النصرانية كانت نفذت في بلاد العرب وان تلك السماء إنما دخلت بينهم بانتشار الدين المسيحي ولعل البعض يرون أن عدد هذه الأعلام قليل بالنسبة إلى ما ذكرناه عن شيوع الدين النصراني بين العرب في الجاهلية فجوابنا على ذلك: أولاً أن العرب النصارى تبعوا غالباً في أسمائهم عادات قبائلهم القديمة دون أن يمتازوا بأسماء جديدة لم يألفوها في سابق الأجيال.

ثانياً: أن منهم من كان له أكثر من اسم واحد كما هي عادة كثيرين من نصارى الشرق في بلادنا فكانوا بالمعمودية يسمون أولادهم باسم يدل على نصرانيتهم وأما في المعاملات العادية فكانوا يطلقون عليهم اسماً آخر مألوفاً كمالك وصالح وحبيب وسعد.

ثالثاً: لا بل نعرف من شهادة تاريخهم أن بعض النصارى في جزيرة العرب تسموا بأسماء وثنية كانت جرت في الاستعمال ونسي معناها الأصلي كعبد المدان ومنهم بنو عبد المدان النصارى في نجران وكعبد القيس الذي ينتسب إليه بنو عبد القيس النصارى الذين ذكرناهم قبلاً، وهكذا جرى أيضاً لنصارى اليونان والرومان والسريان فإنهم بعد تنصرهم تسموا بأسماء كان أصلها وثنياً مشيراً إلى معبوداتهم كمركوريوس وديونوسيوس وباخوس ومرطيوس لكن تلك الأسماء فقدت بالاستعمال معانيها الوثنية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015