هذا الكتاب شيئاً مما في ذلك الكتاب لئلا يبتلى بشي من المحن، فينسب إلى ضيق العَطَن، وبالله التوفيق.

ذكر التفاح وما كره الأدباء من أكله

اعلم أن التفاح عن ذوي الظرف والعشّاق، وذوي الاشتياق، لا يعدله شيء من الثمر، ولا النور والزَّهر. كيف وبه تهدأ أشجانهم، وبوروده تسكن أحزانهم، وعنده يضعون أسرارهم، وإليه يبدون أخبارهم، إذ كان عندهم بمنزلة الحبيب والأنيس، وبموضع الصاحب والجليس، وليس في هداياهم ما يُعادله، ولا في ألطافهم ما يُشاكله، لغلبة شَبَهه بالخدود المورَّدة، والوجنات المُضرَّجة، وهو عندهم رهينة أحبابهم، وتذكُّر أصحابهم، إلى وردته يتطرّبون، وبرؤيته يستبشرون، ولهم عند نظرهم إليه أنينٌ، وعند استنشاق رائحته حنين، حتى إن أحدهم، إذا غلب عليه القلق، وأزعجه الأرق، لم يكن له مُعوَّلٌ إلا عليه، ولا مُشتكىً إلا إليه. وأندشني بعض أهل الأدب:

لمّا نأى عن مجلسي وجهه، ... ودارتِ الكأسُ بمجراها

صيّرتُهُ تفاحةً بيننا، ... إذا ذكرناه شممناها

واهاً لها تفاحةً أشبهَت ... خديه في بهجتها، واها

وقال الحَكَمي:

تفاحةٌ جاءت، وقد عُلّقتْ، ... ورُكّبَت بالورد والآس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015