وأيضا فإن الله أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به، فلم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، وصارت معرفته من الدين إذ هو أسهل على أهل الدين في معرفة دين الله وأقرب إلى إقامة شعار الدين، وأقرب إلى مشابهة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار في جميع أمورهم، وقد أمر العلماء بالخطاب العربي، وكرهوا مداومة غيره لغير حاجة، واللسان تقارنه أمور أخرى من الأخلاق والعلوم، فإن العادة لها تأثير عظيم فيما يحبه الله ورسوله أو فيما يكرهه، فلهذا جاءت الشريعة بلزوم طريقة السابقين في أقوالهم وأعمالهم وكراهة الخروج عنها إلى غيرها لا لحاجة؛ لما يفضي إليه من فوت الفضائل التي جعلها الله للسابقين الأولين.

ولهذا لما عَلِمَ من وفقه الله من أبناء فارس وغيرهم هذا الأمر أخذ يجاهد نفسه في تحقيق المشابهة بالسابقين، فصار أولئك من أفضل التابعين بإحسان، وصار كثير منهم أئمة لكثير من غيرهم، وصاروا يفضلون من رأوه أقرب إلى متابعة السابقين.

فالأمة مجمعة على فضل طريقة العرب السابقين وأن الفاضل من تبعهم، وهو المطلوب، والذي يجب على المسلم إذا نظر إلى الفضائل أو تكلم فيها أن يسلك سبيل العاقل الذي غرضه أن يعرف الخير ويتحراه جهده، ليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015