كما كان سلفهم عنه عاجزين في الزمان الأول على صدق البلاغ الواقع من قبل المسلمين، وكذب البلاغ الواقع من قبل المخالفين.

وإن سأل سائل عمن آمن وصح إيمانه إذا سمع من بعض الكفار طعنا في دلائل التوحيد ولم يكن من أهل النظر يهتدي إلى جوابه، ماذا يصنع؟

قيل له: إن هذا لا يخلو عند سماعه معارضة المخالفين من أن يفهمها ويشغل بها قلبه، ولا يفهمها ولا يشغل بها قلبه. فإن لم يفهمها ولا اشتغل بها قلبه فليس عليه منها شيء، وإن فهمها واشتغل بها قلبه لزمه أن يسأل عنها من يكشفها عن قلبه، فإن قدر على ذلك ولم يسأل وشرح بالشك صدرا كفر، وإن لم يشرح بالشك صدرا ولكنه اعتقد فيما سمح أنه شبهه وأن نارها ما يحلها وعلم ذلك موجود عند أهله كفاه ذلك، لأنه إذا جاز أن يثبت له الإيمان لو لم يسمع من المخالفين معارضة اتكالا على النبي صلى الله عليه وسلم، قد جاء بالحجة الباهرة التي لا يذهب عنها إلا المعاند، ولأجلها آمن به من آمن.

وإن كان لا يعرفها بعينها جاز أن يدوم بعد سماع المعارضة، اتكالا على أن تلك الحجة لا تخلو من أن يكون فيها الدفع نفسها- وإن كان لا يعلم وجه ذلك الدفع، أو على: أن عند القائلين بها من الانفصال عن الشبهة الواردة عيها ما تزاح به العلة، ولا يخلو ذلك من أن يكون وجد في الناس من يعلمه أو لم يوجد.

وكان هذا الذي وصفنا كفره بهذا الاعتقاد داخلا في الذين مدحهم الله بقوله: {الذين يؤمنون بالغيب} لأنه استكمل الإيمان بالحجة التي أوردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بلغ من سكونه إليها وثقته بها أن لم يعدل عنها ولم يشكك فيها عند توجه الطعن والمعارضة عليه وعجزه عن الجواب. لكنه وثق بأن ما أورده عليه شبهه وأن بإزائها ما يدحضها، فلم يكن هذا مما يتخلف عن إثبات الجنة والنار والبعث والحساب بحشر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الدخول في الآية التي ذكرتها واستحباب الثناء أولى وأحق والله أعلم.

ولما ذكرناه في أصل هذا الباب من وقوع الاكتفاء معجزات الرسل صلوات الله عليهم نهى من نهى عن السلف عن الخوض في مسائل الكلام، وذلك أنهم رأوا: أنه لا يحتاج إليه ليبين صحة هذا الدين في أصله إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث مؤيدا بالحجج فكانت مشاهدتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015