(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَتَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا فَوَاَللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ إنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّنَفُّلُ قَبْلَهَا فَمُبَاحٌ وَفِيمَا بَعْدَهَا فَمَمْنُوعٌ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَمَّا قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقُلْت لَهُ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا قَالَ كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَا يَأْمُرُنَا وَلَا يَنْهَانَا» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُسْتَحَبُّ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ تَقْدِيمَهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا قُدِّمَ ذَلِكَ عَلَى التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا وَلَوْ تَنَفَّلَ مُتَنَفِّلٌ ذَلِكَ الْوَقْتَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَجَائِزٌ وَلَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِبَيْتٍ وَلَا غَيْرِهِ أَكْثَرُ مِنْ سُرْعَةِ انْصِرَافِهِ إمَّا لِلْفِطْرِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ فِي الْجُمُعَةِ إنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَهَا حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ يُرِيدُ بِذَلِكَ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ الِانْصِرَافَ إلَى مَنْزِلِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الِانْصِرَافَ مِنْ مَكَانِهِ فَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا فَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ إلَى مَنْزِلِهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا صَلَاةُ فَرْضٍ رَكْعَتَانِ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا فَكَانَ لِلْمَنْعِ تَأْثِيرٌ فِي التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا كَصَلَاةِ الصُّبْحِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْكَعْ وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ لَا يَرْكَعَ وَوَجْهُ ذَلِكَ الْقِيَاسُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ وَالْمَأْمُومِ أَنَّ الْإِمَامَ شُرِعَ لَهُ سُرْعَةُ الْقِيَامِ مِنْ مَوْضِعِ مُصَلَّاهُ وَلَا يُقِيمُ بِهِ وَلَمْ يُشْرَعْ لِلْمَأْمُومِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَتَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا فَوَاَللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ إنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» ) .

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا» يَعْنِي حَيْثُ يَسْتَقْبِلُ بِوَجْهِهِ «فَوَاَللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ» يَعْنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ إلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ حَضَّهُمْ عَلَى الْخُشُوعِ وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَقَوْلُهُ «إنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَا عِلْمَ بِأَفْعَالِكُمْ فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ تَكُونُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1] مَعْنَاهُ أَلَمْ تَعْلَمْ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِهِ الْعِلْمَ مَا كَانَ لِقَوْلِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي فَائِدَةٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ أَوْ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ إعْلَامَهُمْ بِأَنَّهُ يَرَى مَعَ إقْبَالِهِ عَلَى قِبْلَتِهِ مَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّ ذَلِكَ مِمَّا خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْظُرَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ وَلَا يَبْعُدُ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَرَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ مِمَّنْ يُدْرِكُهُ نَظَرُهُ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ أَوْ مَعَ الْتِفَاتٍ يَسِيرٍ فِي نَادِرِ الْأَوْقَاتِ وَيُوصَفُ مَنْ يَقِفُ هُنَاكَ بِأَنَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ كَمَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ وَرَاءَهُ وَخَلْفَهُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا) .

ش قَوْلُهُ كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا يُرِيدُ مَسْجِدَ قُبَاءَ وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَتِهِ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ فَبَيَّنَ الْمُرَادَ بِالْقَصْدِ إلَى قُبَاءَ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَأْتِي الْمَسْجِدَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْجُمُعَةِ الْمَقْصُودَةِ مَوْضِعٌ مَقْصُودٌ ثُمَّ وَصَفَ الْقَصْدَ إلَى الْجُمُعَةِ وَأَطْلَقَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ الْمَوْضِعِ الْمَقْصُودِ كَمَا يُقَالُ خَرَجَ فُلَانٌ إلَى الْمَدِينَةِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ تَوَجُّهُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَإِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ قَصْدُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ تَوَجَّهَ فُلَانٌ إلَى مَكَّةَ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ تَوَجُّهُهُ إلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ لِلْعَمَلِ الْمَقْصُودِ فِيهَا وَلَيْسَ فِي قُبَاءَ مَوْضِعٌ مَقْصُودٌ غَيْرُ مَسْجِدِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَعُرْوَةُ وَقَتَادَةُ إلَى أَنَّهُ مَسْجِدُ قُبَاءَ وَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015