وأما كونه يضمن على روايةٍ، فلما روي «أن أنساً كانت عنده وديعة فذهبت. فرفع الأمر إلى عمر. فقال: هل ذهب معها شيء؟ قال: لا. فقال: اغرمها» (?).

قال المصنف في المغني: قال القاضي: الأولى أصح؛ لما ذكر قبل. وحديث عمر محمولٌ على التفريط.

قال: (ويلزم حفظها في حرز مثلها. فإن عيّن صاحبها حرزاً، فجعلها في دونه: ضمن. وإن أحرزها بمثله، أو فوقه: لم يضمن. وقيل: يضمن إلا أن يفعله لحاجة).

أما كون المودَع يلزمه حفظ الوديعة في حرز مثلها؛ فلأن الله تعالى أمر بأدائها، ولا يمكن (?) ذلك إلا بالحفظ.

ولأن فائدة الوديعة الحفظ وحرز المثل معتبرٌ في مواضع. فكذلك هاهنا.

وأما كونه يضمن إذا عيّن صاحبها حرزاً، فجعلها المودَع في دونه؛ فلأنه خالفه في حفظ ماله.

وأما كونه لا يضمن إذا أحرزها بمثل الحرز أو فوقه على المذهب؛ فلأن تنصيصه على الحرز يقتضي الحفظ فيه، وفيما يقوم مقامه، كمن اكترى أرضاً لزرع الحنطة فإن له زرعها بها وبما هو مثلها في الضرر.

وأما كونه يضمن إذا فعل ذلك لغير حاجةٍ في وجهٍ، فلأنه خالف المالك.

وأما كونه لا يضمن إذا فعل ذلك لحاجة، مثل: أن يخاف عليها سيلاً، أو حريقاً، أو نحو ذلك؛ فلأنه حينئذ لا يُعد مفرّطاً، بل يُعدُّ تَرْك ذلك تفريطاً.

قال: (وإن نهاه عن إخراجها فأخرجها لغشيانِ شيء الغالب منه التوى: لم يضمن. وإن تركها فتلفت ضمن. وإن أخرجها لغير خوف ضمن).

أما كون المودَع لا يضمن فيما إذا أخرج الوديعة لغشيان شيء الغالب منه التوى. وهو التلف؛ فلما تقدم من أن المخرج لذلك لا يُعد مفرّطاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015