وأما كون الحاكم يأمره بالوفاء؛ فلأن الغرماء إذا طلبوا ذلك منه تعين عليه لما فيه من فصل القضاء المرصد له.

وأما كونه يحبسه إذا أبى ذلك؛ فلأن كل ممتنع من وفاء حقٍّ عليه يجب حبسه إذا كان قادراً عليه حتى يوفي، وما لا يتم الواجب إلا به واجب.

قال: (فإن ادعى الإعسار وكان دينه عن عوض كالبيع والقرض، أو عرف له مال سابق حبس إلا أن يقيم البينة على نفاد ماله وإعساره. وهل يحلف معها؟ على وجهين. وإن لم يكن كذلك حلف وخلي سبيله).

أما كون من ادعى الإعسار وكان دينه عن عوض، أو عرف له مال سابق يحبس إذا لم (?) يقم البينة على نفاده وإعساره؛ فلأن الأصل بقاء ماله وإذا كان باقياً تعين حبسه ليقضي دينه؛ كالمقر بيساره. ولا بد أن يُلحظ أن صاحب الدين مكذب للمدعي في دعواه لأنه لو صدقه لكان كما لو قامت البينة بإعساره. وسيأتي ذكره.

وأما كونه لا يحبس إذا أقام البينة على ذلك؛ فلأن البينة تظهر الإعسار فيجب إنظاره لقوله تعالى: {وإن كان ذو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٌ} [البقرة: 280]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لغرماء الذي أصيب في ثمار ابتاعها وكثر دينه: «خُذوا ما وَجدتمْ وليسَ لكمْ إلا ذلك» (?).

ولأن الحبس إما أن يكون لإثبات عسرته أو ليقضي دينه، وعسرته ثابتة والقضاء متعذر. وإذا كان كذلك لم يكن في الحبس فائدة.

وأما صفة ما تشهد به البينة فظاهر كلام المصنف هنا أنها لا بد وأن تشهد على النفاد. وذكر في المغني أن البينة إن شهدت بالتلف سُمِعت وإن لم تكن من أهل الخبرة الباطنة، وإن شهدت بالإعسار لم تسمع إلا أن تكون من أهل الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة لأن الإعسار من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا أهل الخبرة الباطنة والمخالطة. وفي هذا إشعار بأن البينة إن كانت من أهل الخبرة الباطنة كفى أن تشهد بالإعسار دون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015