المقصد الاسني (صفحة 73)

وَمِثَال تداعي حركات السَّمَاء إِلَى تغيرات الأَرْض هُوَ أَن الشَّمْس بحركتها إِذا بلغت إِلَى الْمشرق واستضاء الْعَالم وتيسر على النَّاس الإبصار فيتيسر عَلَيْهِم الانتشار فِي الأشغال وَإِذا بلغت الْمغرب تعذر عَلَيْهِم ذَلِك فَرَجَعُوا إِلَى المساكن وَإِذا قربت من وسط السَّمَاء وسمت رُؤُوس أهل الأقاليم حمي الْهَوَاء وَاشْتَدَّ القيظ وَحصل نضج الْفَوَاكِه وَإِذا بَعدت حصل الشتَاء وَاشْتَدَّ الْبرد وَإِذا توسطت حصل الِاعْتِدَال وَظهر الرّبيع وأنبتت الأَرْض وَظَهَرت الخضرة وَقس بِهَذِهِ الْأُمُور المشهورات الَّتِي تعرفها الغرائب الَّتِي لَا تعرفها

وَاخْتِلَاف هَذِه الْفُصُول كلهَا مُقَدّر بِقدر مَعْلُوم لِأَنَّهَا منوطة بحركات الشَّمْس وَالْقَمَر وَالشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان 55 سُورَة الرَّحْمَن / الْآيَة 5 أَي حركتهما بِحِسَاب مَعْلُوم فَهَذَا هُوَ التَّقْدِير وَوضع الْأَسْبَاب الْكُلية هُوَ الْقَضَاء وَالتَّدْبِير الأول الَّذِي هُوَ كلمح الْبَصَر هُوَ الحكم وَالله تَعَالَى حكم عدل بِاعْتِبَار هَذِه الْأُمُور وكما أَن حَرَكَة الْآلَة وَالْخَيْط والكرة لَيست خَارِجَة عَن مَشِيئَة وَاضع الْآلَة بل ذَلِك هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ بِوَضْع الْآلَة فَكَذَلِك كل مَا يحدث فِي الْعَالم من الْحَوَادِث شَرها وَخَيرهَا نَفعهَا وضرها غير خَارج عَن مَشِيئَة الله عز وَجل بل ذَلِك مُرَاد الله تَعَالَى ولأجله دبر أَسبَابه وَهُوَ المعني بقوله وَلذَلِك خلقهمْ 11 سُورَة هود / الْآيَة 119

وتفهيم الْأُمُور الإلهية بالأمثلة الْعُرْفِيَّة عسير وَلَكِن الْمَقْصُود من الْأَمْثِلَة التَّنْبِيه فدع الْمِثَال وتنبه للغرض وَاحْذَرْ من التَّمْثِيل والتشبيه تَنْبِيه

قد فهمت من الْمِثَال الْمَذْكُور مَا إِلَى العَبْد من الحكم وَالتَّدْبِير وَالْقَضَاء وَالتَّقْدِير وَذَلِكَ أَمر يسير وَإِنَّمَا الخطير مِنْهُ مَا إِلَيْهِ فِي تَدْبِير الرياضيات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015