به ويحرم به، كما تعبده أن يقضي بشهادة الشاهدين ويحل بهما ويحرم بهما. فإذا لم يجز أن يقال لمن قضى بتحليل أو تحريم في مال أو فرج بشهادة شاهدين عدلين إنه خطأ عند الله إذ لم يتعبد ما خوطب به، كذلك لا يجوز أن يقال لمن أحل أو حرم باجتهاده في موضع الاجتهاد إنه مخطئ عند الله، وليس عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ذلك نص. والذي يدل عليه مذهبه القول بتصويب المجتهدين. والذي يدل على ذلك من مذهبه أن المهدي سأله أن يجمع مذهبه في كتاب ويحمل عليه الناس، فقال له مالك: إن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تفرقوا في البلاد وأخذ الناس بآرائهم، فدع الناس وما اختاروه. فلولا أن كل مجتهد مصيب عنده لما جاز أن يقر الناس على ما هو الخطأ عنده. ومما يدل على ذلك من مذهبه أيضا قوله في المدونة في الذي يعرف خطه ولا يذكر الشهادة إنها شهادة لا تجوز عنده ولا تصح ولا يحكم بها، ولكنه يرفعها ويؤديها كما علم. فلولا أن كل مجتهد عنده مصيب لما أمره أن يؤدي شهادة لا يصح الحكم بها، فلعل القاضي الذي رفعت إليه يحكم بها فيكون قد عرضه للحكم بالخطأ، هذا لا يصح، وهو مذهب الشافعي وجماعة أصحابه. واختلف في ذلك عن أبي حنيفة. وقد تأول بعض الناس على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحق في طرف واحد من قوله إذ سئل عن اختلاف أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: مخطئ ومصيب. وهذا لا يصح، لأنه لم يقل مخطئ عند الله، وإنما أراد أنه مخطئ عنده فلا يصح له اتباعه والحكم بمذهبه. وإذا احتمل قوله هذا بطل الاستدلال به. واستدل أيضا بعض الناس على ذلك من مذهبه من قوله فيمن خفيت عليهم القبلة إنهم يجتهدون في طلبها ولا يصلي أحد منهم مؤتما بصاحبه إذا خالفه في الاجتهاد. قال: فلو كان كل واحد منهم مصيبا في اجتهاده لجاز أن يأتم كل واحد منهم بصاحبه. وهذا لا يلزم لأن من ائتم بمن صلى إلى جهة ما فهو مصل إلى تلك الجهة، لأن صلاته مرتبطة بصلاة إمامه وهو متعبد باجتهاده لا يجوز له أن يتركه لاجتهاد غيره. فمن هذا الوجه قال مالك: إنه لا يجوز أن يأتم أحد منهم بصاحبه إذا خالفه في الاجتهاد، لا من الوجه الذي ذكر والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015