فصل

وقد اختلف في الصلاة الوسطى: فقيل: إنها الصبح، وهذا مذهب مالك. ودليله على ذلك أن قبلها صلاتين من الليل وبعدها صلاتين من النهار وهي وسطهن منفردة بوقت لا يشاركها فيه غيرها من الصلوات. وأيضا فإنها صلاة يضيعها الناس كثيرا لنومهم عنها وعجزهم عن القيام لها فخصت بالتأكيد لهذه العلة. وقيل: إنها صلاة العصر، وهو قول أكثر الرواة، منهم الشافعي وأبو حنيفة. وروي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال يوم الخندق: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بطونهم وقبورهم نارا» أو كما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهي الصلاة التي فتن عنها نبي الله سليمان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حتى توارت الشمس بالحجاب. قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17] {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} [ص: 31] الآية إلى قوله {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [ص: 33] وقال من ذهب إلى هذا في قراءة عائشة وحفصة وصلاة العصر بالواو: إن المعنى في ذلك وهي صلاة العصر؛ لقول الله عز وجل: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، وقد روى عنهما صلاة العصر بغير واو على البدل. وقد قيل: إنها الظهر، وهو قول لا دليل لقائله، إلا أن يوجد في ذلك أثر عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيرجع إليه. وما قيل من أنه إنما قيل لها وسطى؛ لأنها تصلى في وسط النهار بعيد؛ لأن لفظ وسطى إنما يحتمل أحد معنيين: إما متوسطة بين أخواتها من الصلوات، وإما فاضلة من قولهم فلان أوسط القوم يعني أفضلهم. قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] أي: خيارا عدولا. وقال: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] أي: أعدلهم وأفضلهم {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم: 28]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015