وإنما تركَ الشَّارعُ تنبيهه على السنن والفضائل تسهيلًا وتيسيرًا لِقُرب عهْدِهِم بالإسلام، لِئلَّا يكون الإكثار من ذلك تنفيرًا، وعَلِمَ أنه إذا تَمَكَّن في الإسلام وشرح الله صَدْرَهُ رَغِبَ فيما رَغِبَ فيه غَيْرُهُ، لئلَّا يعتقد وجوب ذلك، فتركه من ذلك.

وقد أجاب الشَّارع ذلك السائل بقوله: "لا، إلَّا أن تَطَوَّع" (?) لَمَّا سأَلهُ عن الصلاة والصوم.

وللبخاري في كتاب الصوم: "واللهِ لا أَتَطَوَّعُ شيئًا" (?)، وفي لفظٍ: "إنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ به دَخَلَ الجَنَّةَ" (?). نعم؛ مَن أتى بها كان أفلح ممن لم يأتِ، وإِنَّمَا شُرِعت النوافل لتَتْمِيم ما نَقَصَ مِن الفرائض، فتركُ ذلك تسهيلًا عليهم إلى أن تنشرح صُدُورهم، ومِنَ المعلوم أنَّ هؤلاء ما سُوِّغ لهم تركُ الوِتر ولا العيدين، ولا مَا فِعْلهُ في الجَمَاعَةِ.

رابعها: إِنَّمَا لم يَذْكُر الحج في هذا الحديث، لعموم فرضه إذ ذاك، كما سلف في حديث ابن عمر، نعم؛ هو يندرجُ في تحريم الحرام، لأنَّ تركَ الحجِّ وغيرهِ مِن الواجبات حرام، وهو قاعِدَةٌ جامِعَةٌ لأصول الدين وفروعه، لأنَّ الأفْعَال: إِمَّا قلبيَّةٌ أو بدنية، وكل ذلك إمَّا أصليةٌ أو فرعيَّة، ثم المأذون فيها هو الحلال والممنوع الحرام، واللام في "الحلال" و"الحرام" للاستغراق؛ فإذا أحلَّ كلَّ الحلال، وحرَّمَ كلَّ الحرام فقد أتى بجميع وظائف الدِّين ودَخَلَ الجَنَّةَ آمِنًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015