أحوال نفسية ينبِّه القرآن إليها، وكان تأويل الرؤيا، والتنظيم الاقتصادي الذي استلهمه يوسف الصديق من الرؤيا، ولنذكر الأمر كما جاء في القرآن: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ، يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ، قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 45-49] .

كان ذلك التأويل الصادق مصحوبًا ببيان الترتيب الاقتصادي سببًا في أنَّ الملك رغب في الاستعانة به، قال: ائتوني به، فامتنع السجين الأبيّ عن الذهاب حتى تثبت باءته: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} فعرف الملك حالهنَّ، فسألهنَّ: {مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ، وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ، قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 51-55] .

241- هذه وقائع وقعت من وقت أن دخل يوسف السجن إلى أن خرج منه مستوليًا على خزائن يديرها بحكمته، ويسيِّر نظامه بإرادته، وتعلّمه من ربه، وهو نبي يوحى إليه، وكل واقعة من هذه فيها تنبيه إلى ناحية من نفس الإنسان، وارتباطه بالمجتمع الذي يعيش فيه، فدخوله السجن لكمال خلقه، وكمال جسمه، وما كان حوله، وما يفعله الحكام ليدرءوا عن سمعتهم ما ينالها من سوء صادق، ويكشف فيه عن نفس المرأة وسيطرة العاطفة عليها، وكيف دفعتها عاطفتها في موقفها الأول من مراودته، ثم ما كان من إصرارها بعد أن أخذت المعذرة المسوغة من النسوة، ثم ما كان من عاطفة المحبَّة التي انتقلت من مراودة إلى اعتراض، وإلى استغفار.

وفي الحقيقة أن الدارس الذي يريد معرفة أطوال النفوس، وما يعروها سواء أكانت نفوس رجال أم نفوس نساء يد في القرآن معينا لا ينضب من الحقائق النفسية التي تكون محور دراسته.

ولكنا لا نريد أن يطبقوا ما يعلموا من علم النفس على القرآن ويحملوا ألفاظه مالا تحتمل، ولكن أن يجعلوه مرشدا يحكم على عملهم، لا أن يكون عملهم الحكم عليه، والله سبحانه وتعالى هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015