"فالأجزاء متبدلة.. وعلى جميع التقديرات فلا امتناع في بقاء ذلك الشيء مع تطرق التغيير إلى هذا الهيكل، وهذا هو المسخ، وبهذا التقدير يجوز في الملك الذي تكون جثته في غاية العظم أن يدخل حجرة الرسول عليه السلام"1.

ثم قال الرازي:

والإشكال الثاني: إن جوزنا ذلك - أي المسخ - لما أمِنّا في كل ما نراه قردا وكلبا، أنه كان إنسانا عاقلا، وذلك يفضي إلى الشك في المشاهدات.

والجواب: أن الأمان يحصل بإجماع الأمة.

ولما ثبت بما قررناه جواز المسخ، أمكن إجراء الآية على ظاهرها، ولم يكن بنا حاجة إلى التأويل الذي ذكره مجاهد رحمه الله، وإن كان ما ذكره غير مستبعد جدا؛ لأن الإنسان إذا أصر على جهالته - بعد ظهور الآيات وجلاء البينات - فقد يقال في العرف الظاهر إنه حمار وقرد، وإذا كان هذا المجاز من المجازات الظاهرة المشهورة لم يكن في المصير إليه محذور البتة" ا?.

فأنت ترى أن الرازي - رحمه الله - أجاز القولين، ثم عاد إلى إثارة شبهة أخرى هي (أنه بعد أن يصير (اليهودي المعتدي) قردا، لا يبقى له فهم ولا عقل ولا علم، فلا يعلم ما نزل به من العذاب، ومجرد القردية غير مؤلم، لأن القرود حال سلامتها غير متألمة، فمن أين يحصل العذاب بسببه؟!

وأجاب بقوله: "ولم لا يجوز أن يقال إن الأمر الذي بسببه يكون الإنسان عاقلا فاهما ظل باقيا، إلا أنه لما تغيرت الخلقة والصورة، لا جرم أنها كانت تعرف ما نالها من تغير الخلقة بسبب شؤم المعصبة، وكانت في نهاية الخوف والخجالة.. ولا يلزم من عدم تألم القرود الأصلية بتلك الصورة عدم تألم الإنسان بتلك الصورة الغريبة القردية" ا?.

ونضيف إلى قول الفخر الرازي رحمه الله قولنا: إن العقاب لا يتحقق ولا يتم المقصود منه إلا ببقاء الغرائز والمشاعر والأحاسيس التي بها يعاني هؤلاء الممسوخون آلام عذاب المسخ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015