أعيان الكتاب في عهد أبي الحسن

ولم يزل أمير المسلمين من أول إمارته يستدعي أعيان الكتاب من جزيرة الأندلس، وصرف عنايته إلى ذلك؛ حتى اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك، كأبي القاسم بن الجد1 المعروف بـ الأحدب، أحد رجال البلاغة، وأبي بكر محمد بن محمد المعروف بابن القَبْطُرْنَة، وأبي عبد الله بن أبي الخِصَال، وأخيه أبي مروان، وأبي محمد عبد المجيد بن عبدون المذكور آنفًا؛ في جماعة يكثر ذكرهم.

وكان من أنبههم عنده، وأكبرهم مكانة لديه: أبو عبد الله محمد بن أبي الخصال، وحُق له ذلك؛ إذ هو آخر الكتاب، وأحد من انتهى إليه علم الآداب، وله مع ذلك في علم القرآن والحديث والأثر وما يتعلق بهذه العلوم الباع الأرحب، واليد الطولى.

فمما أختار له -رحمه الله-, فصول من رسالة كتب بها مراجعًا لبعض إخوانه، عن رسالة وردت عليه منه يستدعي فيها منه شيئًا من كلامه؛ وهذا الرجل صاحب الرسالة هو أبو الحسن علي بن بَسَّام2 صاحب كتاب الذخيرة:

وصل من السيد المسترِق، والمالك المستحِق -وصل الله إنعامه لديه، كما قصَر الفضل عليه- كتابه البليغ، واستدراجه المُريع؛ فلولا أن يَصْلد3 زَنْد اقتداحه، ويرقد طرف افتتاحه، وتنقبض يد انبساطه، وتَغْبَن4 صفقة اغتباطه -للزمت معه مركز قدري، وصُلْتُ سريرة صدري؛ لكنه بنفثات سحره يسمع الصم، ويستنزل العُصْم5، ويقتاد الصعب فيُصحب، ويستدر الصخور فتُحلب.

ولما فجأني ابتداؤُه، وقرع سمعي نداؤُه، فرغت إلى الفكر، وخفق القلب بين الأمن والحذر، فطاردت من الفِقَر أوابد قفر؛ وشوارد عَفْر6، تُغبِّر في وجه سائقها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015