وحداها الشمالي والمغربي البحر الأعظم، وهو بحر أقيانس المعروف عندنا ببحر الظلمة، وحدها المشرقي الجبل الذي فيه هيكل الزهرة الواصل ما بين البحرين: بحر الروم وهو مانطس، والبحر الأعظم. ومسافة ما بين البحرين في هذا الجبل قريب من ثلاث مراحل، وهو الحد الأصغر من حدود الأندلس. وحداها الأكبران الجنوبي والشمالي, مسافة كل واحد منهما نحو من ثلاثين مرحلة. وهذا الجبل الذي ذكرنا فيه هيكل الزهرة الذي هو الحد المشرقي من الأندلس، هو الحاجز ما بين بلاد الأندلس وبين بلاد إفرنسة من الأرض الكبيرة1، أرض الروم التي هي بلاد إفرنجة العظمى.

والأندلس آخر المعمور في المغرب2؛ لأنها كما ذكرنا منتهية إلى بحر أقيانس الذي لا عمارة وراءه.

ومسافة ما بين طُلَيْطُلة التي هي قريبة من وسط الأندلس، ومدينة رومية قاعدة الأرض الكبيرة، قريب من أربعين مرحلة، ووسط الأندلس كما ذكرنا مدينة طليطلة العتيقة، التي كانت قاعدة القوطا من قبائل الإفرنج، ثم ملكها المسلمون زمان الفتح على ما سيأتي بيانه، وعرضها تسع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وطولها ثمانٍ وعشرون درجة بالتقريب، فصارت بذلك قريبًا من وسط الإقليم الخامس.

وأقل بلاد الأندلس عرضًا المدينة المعروفة بالجزيرة الخضراء، على البحر الجنوبي منها، وعرضها ست وثلاثون درجة, وأكثر مدنها عرضًا بعض المدائن التي على ساحلها الشمالي, وعرض ذلك الموضع ثلاث وأربعون درجة.

فتبين بما ذكرنا أن معظم الأندلس في الإقليم الخامس أميل إلى الشمال؛ فلذلك اشتد بردها وطالت مدة الشتاء فيها وعظمت جسوم أهل ذلك الميل وابيضت ألوانهم وكانت أذهانهم إلى الغلظ ما هي، فنَبَتْ3 عن كثير من الحكمة.

وطائفة من الأندلس في الإقليم الرابع، كإشْبِيلية، ومالَقة، وقُرطُبة وغَرْنَاطة، والمَرِيَّة ومُرْسِيَة، فهذه البلاد التى ذكرنا في الإقليم الرابع أعدل هواء وأطيب أرضًا وأعذب مياهًا من البلاد التي في الإقليم الخامس، وأهلها أحسن ألوانًا وأجمل صورًا وأفصح لغة من أولئك؛ إذ كان للميول والسُّموت في اللغات تأثير بين لمن استقرأ ذلك وفهم علته.

وجملة مدن الأندلس التي هي أمهات قراها ومراكز أعمالها ومواضع مخاطبات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015