فقه التعامل مع تعارض أوامر الوالدين وحدود طاعتهما

الصلة ألا يقطع ولهذا يقال في تارك البر أنه عاق ويقال فيمن لم يصل إنه قاطع ولا يقال عاق.

المقصود بالوالدين الواجب برهم:

الوالدان هما الأب والأم أما الجد والجدة فلهم بر , لكنه لا يساوي بر الأم والأب وإنما لهما الصلة.

فقه التعامل مع تعارض أوامر الوالدين:

لا شك أن حق الوالد أعظم ولكن بر الوالدة ألزم , وعلى هذا فالأم تُقدَم وتُفضَل بالبر والإحسان والعطف وهذا من حيث العموم , وأما إذا تعارض أمر الوالد والوالدة فيجب أن تداريهما وأن تقضي شغلهما معاً , وهذا القدر متفق عليه بين أهل العلم أما إذا تعذر ذلك فهنا اختلف أهل العلم فقال فريق منهم يُنظر أيهما أكثر ضرراً إذا خالفته , فيُقضى ما يكون أكثر ضررا ًعند المخالفة , وإن تساويا فقدم الوالدة , وقال الفريق الآخر الأب يُقدَم في الطاعة مطلقاً , طبعاً في المعروف لأن الأب رب المنزل وقائد السفينة , وافعل يا عبد الله ما هو أصلح لقلبك.

حدود طاعة الوالدين:

طاعة الوالدين الواجبة مقيدة بالمعروف، وفي غير معصية الله عز وجل، مما فيه نفعهما ولا ضرر فيه على الولد , أما ما فيه ضرر عليه سواء كان ضرراً دينياً كأن يأمراه بترك واجب أو فعل محرم فإنه لا طاعة لهما في ذلك , أو كان ضرراً دنيوياً فلا يجب عليه طاعتهما، وعلى هذا فطاعة الوالدين بالمعروف لازمة ولو مع وجود المشقة إلى أن تفحش وتكبر وتقترب من معنى الضرر الذي جاءت الشريعة بإزالته فعندئذ لا تجب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: يلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا. اهـ.

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ يَبْرَأَ فِي جَمِيعِ الْمُبَاحَاتِ فَمَا أَمَرَاهُ ائْتَمَرَ وَمَا نَهَيَاهُ انْتَهَى , وَهَذَا فِيمَا كَانَ مَنْفَعَةً لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ ظَاهِرٌ مِثْلُ تَرْكِ السَّفَرِ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ عَنْهُمَا نَاحِيَةً. وَاَلَّذِي يَنْتَفِعَانِ بِهِ وَلَا يُسْتَضَرُّ هُوَ بِطَاعَتِهِمَا فِيهِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يَضُرُّهُمَا تَرْكُهُ فَهَذَا لَا يُسْتَرَابُ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِيهِ , بَلْ عِنْدَنَا هَذَا يَجِبُ لِلْجَارِ. وَقِسْمٌ يَنْتَفِعَانِ بِهِ وَلَا يَضُرُّهُ أَيْضًا طَاعَتُهُمَا فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِ , فَأَمَّا مَا كَانَ يَضُرُّهُ طَاعَتُهُمَا فِيهِ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُمَا فِيهِ لَكِنْ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ , وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّ فَرَائِضَ اللَّهِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ تَسْقُطُ بِالضَّرَرِ فَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ لَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا بَنَيْنَا أَمْرَ التَّمَلُّكِ فَإِنَّا جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ مَا لَهُ مَا لَمْ يَضُرُّهُ , فَأَخْذُ مَنَافِعِهِ كَأَخْذِ مَالِهِ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ} فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَبْدِ

انتهى.

وأما المال فيجب عليه أن يبرهما ببذله ولو كثر إذا لم يكن عليه ضرر ولم تتعلق به حاجته.

أما طاعة الوالدين في ترك المستحبات والنوافل لغير حاجتهم لا تلزم مع المدارة لهما , علماً بأنه لا يجوز للوالدين منع ولدهما من السنن من غير موجب.

قال الشّيخ أبو بكرٍ الطّرطوشيّ في كتاب بر الوالدين: لا طاعة لهما في ترك سنّةٍ راتبةٍ، كحضور الجماعات، وترك ركعتي الفجر والوتر ونحو ذلك، إذا سألاه ترك ذلك على الدّوام، بخلاف ما لو دعواه لأوّل وقت الصّلاة وجبت طاعتهما، وإن فاتته فضيلة أوّل الوقت

انتهى.

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية " قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي غُلَامٍ يَصُومُ وَأَبَوَاهُ يَنْهَيَانِهِ عَنْ الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَصُومَ إذَا نَهَيَاهُ , لَا أُحِبُّ أَنْ يَنْهَاهُ يَعْنِي عَنْ التَّطَوُّعِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فِي رَجُلٍ يَصُومُ التَّطَوُّعَ فَسَأَلَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ يُفْطِرَ قَالَ: يُرْوَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015