الباب السابع والخمسون ما جاء في اليسر بعد العسر والفرج بعد الشدة والفرح والسرور ونحو ذلك مما يتعلق بهذا الباب

ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظنّها لا تفرج

وقال آخر:

لئن صدّع البين المشتّت شملنا ... فللبين حكم في الجموع صدوع «1»

وللنجم من بعد الرجوع استقامة ... وللشمس من بعد الغروب طلوع

وإن نعمة زالت عن الحرّ وانقضت ... فإنّ بها بعد الزوال رجوع

فكن واثقا بالله واصبر لحكمه ... فإن زوال الشرّ عنك سريع

ولنذكر نبذة ممن حصل له الفرج بعد الشدة:

روي أن الوليد بن عبد الملك كتب إلى صالح بن عبد الله عامله على المدينة المنورة، أن أخرج الحسن بن الحسن بن علي من السجن وكان محبوسا واضربه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة سوط. فأخرجه إلى المسجد واجتمع الناس، وصعد صالح يقرأ عليهم الكتاب ثم نزل يأمر بضربه، فبينما هو يقرأ الكتاب إذ جاء علي بن الحسين عليه السلام، فأفرج له الناس حتى أتى إلى جنب الحسن، فقال يا ابن العم مالك ادع الله تعالى بدعاء الكرب يفرج الله عنك، قال: ما هو يا ابن العم؟ فقال: لا إله إلا الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان رب السموات ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، ثم انصرف عنه، وأقبل الحسن يكررهما فلما فرغ صالح من قراءة الكتاب ونزل قال: أراه في سجنه مظلوما أخرجوه وأنا أراجع أمير المؤمنين في أمره، فأطلق بعد أيام وأتاه الفرج من عند الله تعالى.

وقال الربيع: لما حبس المهدي موسى بن جعفر، رأى في المنام عليا رضي الله تعالى عنه وهو يقول: يا محمد فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ 22

«2» ، قال الربيع، فأرسل المهدي إليّ ليلا فراعني ذلك، فجئته، فإذا هو يقرأ هذه الآية، وكان حسن الصوت، فقص عليّ الرؤيا ثم قال: ائتني بموسى بن جعفر، فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه، وقال يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين يقرأ عليّ كذا فعاهدني أن لا تخرج عليّ ولا على أحد من ولدي، فقال: والله ما ذاك من شأني، فقال: صدقت، ثم قال يا ربيع أعطه ثلاث آلاف دينار ورده إلى أهله بالمدينة، قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلا على الطريق.

وقال إسماعيل بن بشار:

وكلّ حر وإن طالت بليته ... يوما تفرّج غمّاه وتنكشف

وقال مسلم بن الوليد: كنت يوما جالسا عند خياط بازاء منزلي فمر بي إنسان أعرفه، فقمت إليه وسلمت عليه وجئت به إلى منزلي لأضيفه وليس معي درهم بل كان عندي زوج أخفاف، فأرسلتها مع جاريتي لبعض معارفها فباعهما بتسعة دراهم واشترت بها ما قلته لها من الخبز واللحم، فجلسنا نأكل وإذا بالباب يطرق فنظرت من شق الباب وإذا بإنسان يسأل هذا منزل فلان؟ ففتحت الباب وخرجت، فقال أنت مسلم بن الوليد، قلت: نعم، واستشهدت له بالخياط على ذلك فأخرج لي كتابا وقال هذا من الأمير يزيد بن مزيد، فإذا فيه: قد بعثنا لك بعشرة آلاف درهم لتكون في منزلك وثلاثة آلاف درهم تتجمل بها لقدومك علينا، فأدخلته إلى داري وزدت في الطعام واشتريت فاكهة وجلسنا فأكلنا ثم وهبت لضيفي شيئا يشتري به هدية لأهله وتوجهنا إلى باب يزيد بالرقة فوجدناه في الحمام، فلما خرج استؤذن لي عليه فدخلت، فإذا هو جالس على كرسي وبيده مشط يسرح به لحيته فسلمت عليه فرد أحسن رد وقال: ما الذي أقعدك عنا؟

قلت: قلة ذات اليد وأنشدته قصيدة مدحته بها، قال:

أتدري لم أحضرتك؟ قلت: لا أدري، قال: كنت عند الرشيد منذ ليال أحادثه فقال لي يا يزيد من القائل فيك هذه الأبيات:

سلّ الخليفة سيفا من بني مضر ... يمضي فيخترق الأجسام والهاما

كالدهر لا ينثني عمّا يهمّ به ... قد أوسع الناس إنعاما وإرغاما

فقلت: والله لا أدري يا أمير المؤمنين، فقال سبحان الله، أيقال فيك مثل هذا ولا تدري من قاله؟ فسألت فقيل لي هو مسلم بن الوليد، فأرسلت إليك فانهض بنا إلى الرشيد فسرنا إليه واستؤذن لنا فدخلنا عليه فقبلت الأرض وسلمت فرد على السلام فأنشدته ما لي فيه من شعر، فأمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015