الباب التاسع عشر في العدل والإحسان والإنصاف وغير ذلك

الباب العشرون في الظلم وشؤمه وسوء عواقبه وذكر الظلمة وأحوالهم وغير ذلك

الله متظلمون وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

«1» قال: فعدل لوقته.

وحكي أن الحجاج حبس رجلا في حبسه ظلما فكتب إليه رقعة فيها: قد مضى من بؤسنا أيام ومن نعيمك أيام والموعد القيامة والسجن جهنم والحاكم لا يحتاج إلى بينة، وكتب في آخرها:

ستعلم يا نؤوم إذا التقينا ... غدا عند الإله من الظلوم

أما والله إن الظلم لؤم ... وما زال الظلوم هو الملوم

سينقطع التلذّذ عن أناس ... أداموه وينقطع النعيم

إلى ديّان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم

وحكى أبو محمد الحسين بن محمد الصالحي قال: كنا حول سرير المعتضد بالله ذات يوم نصف النهار فنام بعد أن أكل، فانتبه منزعجا وقال: يا خدم، فأسرعنا الجواب فقال: ويلكم أعينوني والحقوا بالشط فأول ملاح ترونه منحدرا في سفينة فارغة فاقبضوا عليه وائتوني به ووكلوا بالسفينة من يحفظها.

فأسرعنا فوجدنا ملاحا في سفينة منحدرة وهي فارغة فقبضنا عليه ووكلنا بها من يحفظها وصعدنا به إلى المعتضد.

فلما رآه الملاح كاد يتلف فصاح عليه المعتضد صيحة عظيمة كادت روحه تذهب منها وقال: أصدقني يا ملعون عن قضيتك مع المرأة التي قتلتها اليوم وإلا ضربت عنقك:

فتلعثم، وقال: نعم كنت سحرا في المشرعة الفلانية فنزلت إمرأة لم أر مثلها عليها ثياب فاخرة وحلى كثيرة وجواهر فطمعت فيها واحتلت عليها حتى سددت فمها وغرّقتها وأخذت جميع ما كان عليها ثم طرحتها في الماء ولم أجسر على حمل سلبها إلى داري لئلا يفشوا الخبر علي، فعولت على الهروب والانحدار إلى واسط فصبرت إلى أن خلا الشط في هذه الساعة من الملاحين وأخذت في الانحدار فتعلق بي هؤلاء القوم فحملوني إليك، فقال:

وأين الحلى والسلب؟ قال: في صدر السفينة تحت البواري.

قال المعتضد: علي به الساعة، فحضروا به فأمر بتغريق الملاح ثم أمر أن ينادى ببغداد من خرجت له امرأة إلى المشرعة الفلانية سحرا وعليها ثياب فاخرة وحلى فليحضر، فحضر في اليوم الثاني ثلاثة من أهلها وأعطوا صفتها وصفة ما كان عليها فسلم ذلك إليهم.

قال: فقلت يا مولاي من أين علمت أو أوحي إليك بهذه الحالة وأمر هذه الصبية فقال: بل رأيت في منامي رجلا شيخا أبيض الرأس واللحية والثياب وهو ينادي: يا أحمد أول ملاح ينحدر الساعة فاقبض عليه وقرره على المرأة التي قتلها اليوم ظلما وسلبها ثيابها وأقم عليه الحد ولا يفتك، فكان ما شاهدتم. فيتعين على كل ولي أمر أن يعدل في الأحكام، وأن يتبصر في رعيته وعلى كل غافل أن يكف يده عن الظلم ويسلك سنن العدل ويعامل بالنصفة ويراقب الله في السر والعلانية ويعلم أن الله يجازي على الخير والشر ويعاقب الظالم على ظلمه وينتصر للمظلوم ويأخذ له حقه ممن ظلمه، وإذا أخذ الظالم لم يفلته.

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وليه المرجع والمآب وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.

الباب الحادي والعشرون في بيان الشروط التي تؤخذ على العمال وسيرة السلطان في استجباء الخراج وأحكام أهل الذمة

وفيه فصلان

الفصل الأول في سيرة السلطان في استجباء الخراج والانفاق من بيت المال وسيرة العمال

قال جعفر بن يحيى: الخراج عماد الملوك وما استغزوا بمثل العدل وما استنذروا بمثل الظلم، وأسرع الأمور في خراب البلاد تعطيل الأرضين وهلاك الرعية وانكسار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015