لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم مصدره يفضي إلى النّدم

تنام عيناك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنم

وما أحسن ما قال الآخر:

أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... وما تدري بما صنع الدعاء

سهام الليل نافذة ولكن ... لها أمد «1» وللأمد انقضاء

فيمسكها إذا ما شاء ربيّ ... ويرسلها إذا نفذ القضاء «2»

وقال أبو الدرداء: إياك ودمعة اليتيم ودعوة المظلوم فإنها تسري بالليل والناس نيام، وقال الهيثم بن فراس السامي من بني سامة بن لؤي في الفضل بن مروان:

تجبرت يا فضل بن مروان فاعتبر ... فقبلك كان الفضل والفضل والفضل

ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ... أبادهم الموت المشتّت والقتل

يريد الفضل بن الربيع والفضل بن يحيى والفضل بن سهل.

ووجد تحت فراش يحيى بن خالد البرمكي رقعة مكتوب فيها:

وحق الله إنّ الظلم لؤم ... وأنّ الظلم مرتعه وخيم

إلى ديّان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم

ووجد القاسم بن عبيد الله وزير المكتفي في مصلاه رقعة مكتوبا فيها:

بغى وللبغي سهام تنتظر أنفذ في الأحشاء من وخز الإبر سهام أيدي القانتين في السحر وقال المنصور بن المعتمر لابن هبيرة حين أراد أن يوليه القضاء: ما كنت لألي «3» هذا بعدما حدثني إبراهيم، قال:

وما حدثك إبراهيم؟ قال: حدثني عن علقمة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة وأعوان الظلمة وأشياع الظلمة حتى من برى لهم قلما أو لاق «4» لهم دواة، فيجمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في نار جهنم.

وروى هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال:

جلس أبي للمظالم يوما فلما انقضى المجلس رأى رجلا جالسا فقال له: ألك حاجة؟ قال: نعم. أدنني إليك فإني مظلوم وقد أعوزني العدل والإنصاف.

قال: ومن ظلمك؟

قال: أنت ولست أصل إليك فأذكر حاجتي.

قال: وما يحجبك، وقد ترى مجلسي مبذولا؟

قال: يحجبني عنك هيبتك وطول لسانك وفصاحتك.

قال: ففيم ظلمتك؟

قال: في ضيعتي الفلانية أخذها وكيلك غصبا مني بغير ثمن فإذا وجب عليها خراج أديته باسمي لئلا يثبت لك اسم في ملكها فيبطل ملكي فوكيلك يأخذ غلتها وأنا أؤدي خراجها وهذا لم يسمع بمثله في المظالم.

فقال له محمد: هذا قول تحتاج معه إلى بينة وشهود وأشياء.

فقال له الرجل: أيؤمنني الوزير من غضبه حتى أجيب؟

قال: نعم قد أمنتك. قال: البينة هم الشهود وإذا شهدوا فليس يحتاج معهم إلى شيء آخر فما معنى قولك بينة وشهود وأشياء وأي شيء هذه الأشياء إن هي إلا الجور وعدولك عن العدل؟

فضحك محمد وقال: صدقت والبلاء موكل بالمنطق وإني لأرى فيك مصطنعا ثم وقع له مائة دينار يستعين بها على عمارة ضيعته وصيره من أصحابه فكان قبل أن يتوصل إلى الإنصاف واعادة ضيعته له، يقال له يا فلان كيف الناس فيقول: بشر بين مظلوم لا ينصر وظالم لا ينتصر، فلما صار من أصحاب محمد بن عبد الملك ورد عليه ضيعته وأنصفه قال له ليلة: كيف الناس الآن؟

قال: بخير.

قال: اعتمدت معهم الإنصاف ورفعت عنهم الإجحاف ورددت عليهم الغصوب وكشفت عنهم الكروب وأنا أرجو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015