الباب الرابع عشر في الملك والسلطان وطاعة ولاة أمور الإسلام وما يجب للسلطان على الرعية وما يجب لهم عليه

الباب الخامس عشر فيما يجب على من صحب السلطان والتحذير من صحبته

الباب السادس عشر في ذكر الوزراء وصفاتهم وأحوالهم وما أشبه ذلك

الباب السابع عشر في ذكر الحجاب والولاية وما فيها من الغرر والخطر

الغلمان خلقا وخلقا، فقال الملك: أحق ما تقول: فأقسم الوزير أن نعم، ثم قال: أيها الملك إن في الولد روحانية تشهد بأبوة الأب وفي الوالد روحانية تشهد ببنوة الإبن، لا يكاد ذلك ينخرم أبدا «1» ، وإنني آتي بهذا الغلام بين عشرين غلاما في سنه وهيئته ولباسه، وكلهم ذوو آباء معروفين خلا هو. وإني أعطي كل واحد منهم صولجانا وكرة وآمرهم أن يلعبوا بين يديك في مجلسك هذا، ويتأمل الملك صورهم، وخلقتهم وشمائلهم، فكل من مالت إليه نفسه وروحانيته فهو هو، فقال الملك: نعم التدبير الذي قلت.

فأحضرهم الوزير على هذه الصورة ولعبوا بين يدي الملك، فكان الصبي منهم إذا ضرب الكرة وقربت من مجلس الملك تمنعه الهيبة أن يتقدم ليأخذها إلا شاه بور، فإنه كان إذا ضربها، وجاءت عند مرتبة أبيه تقدم، فأخذها ولا تأخذه الهيبة منه، فلاحظ أردشير ذلك منه مرارا، فقال أيها الغلام ما اسمك؟ قال: شاه بور، فقال له: صدقت أنت ابني حقا، ثم ضمه إليه وقبله بين عينيه.

فقال له الوزير: هذا هو ابنك أيها الملك، ثم أحضر بقية الصبيان ومعهم عدول فأثبت لكل صبي منهم والدا بحضرة الملك، فتحقق الصدق في ذلك، ثم جاءت الجارية وقد تضاعف حسنها وجمالها، فقبلت يد الملك، فرضي عنها.

فقال الوزير: أيها الملك قد دعت الضرورة في هذا الوقت إلى إحضار الحق المختوم، فأمر الملك بإحضاره، ثم أخذه الوزير وفك ختمه وفتحه فإذا فيه ذكر الوزير وأنثياه مقطوعة مصانه فيه من قبل أن يتسلم الجارية من الملك، وأحضر عدولا من الحكماء وهم الذين كانوا فعلوا به ذلك، فشهدوا عند الملك بأن هذا الفعل فعلناه به من قبل أن يتسلم الجارية بليلة واحدة، قال: فدهش الملك أردشي روبهت لما أبداه هذا الوزير من قوة النفس في الخدمة، وشدة مناصحته، فزاد سروره وتضاعف فرحه لصيانة الجارية وإثبات نسب الولد ولحوقه به، ثم إن الملك عوفي من مرضه الذي كان به وصح جسمه، ولم يزل يتقلب في نعمه وهو مسرور بابنه إلى أن حضرته الوفاة، ورجع الملك إلى ابنه شاه بور بعد موت أبيه، وصار ذلك الوزير يخدم ابن الملك أردشير وشاه بور يحفظ مقامه ويرعى منزلته حتى توفاه الله تعالى، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

الباب الثامن عشر فيما جاء في القضاء وذكر القضاة وقبول الرشوة والهدية على الحكم وما يتعلق بالديون وذكر القصاص والمتصوفة

وفيه فصول

الفصل الأول فيما جاء في القضاء وذكر القضاة وأحوالهم وما يجب عليهم

قال الله تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ

«2» . وقال تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ

«3» . وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

«4» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حكم بين اثنين تحاكما إليه وارتضياه، فلم يقض بينهما بالحق، فعليه لعنة الله. وعن أبي حازم، قال: دخل عمر على أبي بكر رضوان الله عليهما، فسلّم عليه، فلم يرد عليه، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: أخاف أن يكون وجد عليّ «5» خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلم عبد الرحمن أبا بكر، فقال: أتاني، وبين يدي خصمان قد فرغت لهما قلبي وسمعي وبصري، وعلمت أن الله سائلي عنهما وعما قالا وقلت. وادعى رجل على عليّ عند عمر رضي الله عنهما وعليّ جالس، فالتفت عمر إليه وقال: يا أبا الحسن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015