دور المآثم

وامتد لسان الفتنة وأمعنت وسائل العبث حتى انبثت بيوت الدعارة وهي التي كانوا يدعونها بيوت الكشاخنة بين دور الحرائر في أشتات الحواضر، وكانت أثراً محتو ما من آثار أحكام الترف وتفاقم الشهوات وازدياد الجواري عن حاجة المحتاج، وكان ظهور تلك الدور في دار السلام أكفى دليل على عتوّ ريح الشهوة وإمعان سلطانها في النفوس. وقد بسط الجاحظ في رسالة القيان حديث تلك البيوت وذكر كيف تستباح فيها الأعراض وتنتهك فيها الحرمات. والعجب أن ترى رجلا من سمار الملوك وندمائهم وذوي المنزلة الدانية منهم مثل إسحاق الموصلي يذيع شعره في رثاء امرأة من صواحب تلك البيوت، وذلك ما يقوله في هشيمة الخمارة:

أضحت هشيمة في القبور مقيمة ... وخلت منازلها من الفتيان

كانت إذا هجر المحب حبيبه ... دبت له في السر والإعلان

حتى يلين لما يريد قياده ... ويصير سيئه إلى الإحسان

هذا إسحاق نديم الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق ومغنيهم وشاعرهم فمن منهم تنكر له أو تغير عليه من أجل ذلك؟!

وكما ذاعت بيوت الدعارة في حواضر البلاد ذاعت كذلك الحانات في غير سر ولا استخفاء، وما ظنك بالخليفة الواثق يعقد حانتين إحداهما في دار الحرم ليغشاهما ويمتع نفسه بما يقال وما يدار فيهما، وإليك فاسمع حديث صاحب مسالك الأبصار في سياق ذلك:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015