اعتماد

وكان اشدهن امتلاكاً له واحتكاماً به جاريته اعتماد الرُّميكية التي اشتراها من رميك ابن حجاج، وإليها زمامه وفي سبيلها أرخى عنانه ومن اسمها اشتق فتسمى بالمعتمد وتلك التي يقول فيها الوزير الشاعر محمد بن عمار:

تَزوجتَها من بنات الهجان ... رميكية لا تساوي عقالا

فجاءت بكل قصير الذراع ... لئيم التجارب عما وخالا

وكانت اعتماد لا تشعر بأن في الحياة أمينة عزيزة أو مطلباً بعيداً، فما نزعت نفسها إلى شيء حتى وجدته بين يديها على أحسن صوره وأتم وجوهه، ولقد رأت مرة فتيات أشبيلية يملأن الجرار من النهر وفي أقدامهن أثر الطين فأحبت أن تطأ الطين كما يطأن وتحمل الجرة كما يحملن، فصنع لها المعتمد جرة من سبيك الذهب وأوطأها المسك معجونا بماء الورد والغالية. وشاءت المقادير أن ينهك هذا الترف قوة الملك وأن يطمع فيه العدو المتغلب وأن يعرف ذلك يوسف بن تاشفين أمير الملثمين بالمغرب فيخوض البحر إلى أشبيلية ويقصي العدو عن الملك ثم يقود الملك المستهام أسيراً ويقود صاحبته ونساءه وبناته وجواريه سبايا أغمات من أعماق بلاد المغرب ولم تدرك الملك الملثم رقة الدين ولا نبل الخلق فألقى أسيره المسكين مكبلا بالحديد في غياهب السجن بين القتلة وقطاع الطريق، وترك بناته يطفن في الأسواق بما يغزلن من الصوف حافيات الأقدام باديات الأجسام معروقات العظام وكذلك دخلن على أبيهن في سجنه صبيحة عيد النحر فزفر زفرة كاد ينفطر لها قلبه ثم أنشأ يقول:

فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً ... فساءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعة ... يغزلن للناس ما يملكن قطميرا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015