السمك من الكثرة بحيث يستنفذ اثني عشر ألف خَبزة وستة أقفزة من الحمص كل يوم. وعلى البركة تقوم تماثيل من الذهب المحلَّى بالجوهر على هيئة الأسد أو الطير فوق الغصون وكلها تتصل بأنابيب من الفضة تمدّها الماء من متالع جبل قرطبة، فإذا انتهى إلى أجوافها سمعت له زئيراً أو صفيراً ثم تلقيه من أفواهها في البحيرة، وإلى جانب من البركة حديقة للوحش، وأخرى للطير تظللها الشَّبَاك.

أما القصور فكانت فوق منال العقول، ومنها قصر الخلافة وكان سَمْكُه من الذهب والرخام المتماوج الشفاف، وكانت قراميد بهو الخلافة من الذهب والفضة وفي سقفه علقت اليتيمة، وهي الدرّة أهداها إلى الناصر إليون ملك القسطنطينية وكانت تتألق في سماء الغرفة كما يتألق النجم في حاشية الظلام.

وكان في كل جانب من جوانب هذا المجلس ثمانية أبواب قد انعقدت على حنايا من العاج والآبنوس المرصع بالذهب وأصناف الجواهر، وقامت على سواري من الرخام الملوّن والبلور الصافي. وفي وسط هذا المجلس حوض عظيم مملوء بالزئبق وكانت الشمس تشرف على الأبواب فيضرب شعاعها في صدر المجلس فيتوهج من ذلك نور يأخذ سناه بالأبصار، وكان الناصر إذا أراد أن يفزع أحداً من أهل المجلس أومأ إلى رجل من مواليه فيحرك ذلك الزئبق فتومض في المجلس بروق تغشي الأبصار وتخيل للرائين أن القصر طار بهم فيفزع الرجل حتى يقع.

ومن القصور القصر المؤنس، وفيه بيت المنام، وفي وسطه الحوض الأخضر المنقوش الذي جلب إليه من بيت المقدس، وفيه نقوش وتماثيل وصور على هيئة الإنسان، وعلى جانبه اثنا عشر تمثالا من الذهب الأحمر مرصعة بالدرّ النفيس مما صنع بدار الصناعة بقرطبة، والماء يتدفق من أفواهها جميعا.

وبين القصور مسجد الزهراء، وهو على هذا النسق الفريد من الجلال والجمال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015