خدمه يعلمهم بأنه سيرسل بي إلى داره، فأدخلْت، وإذا بالستار قد نصبت، فسلمت على جارية من وراء الستارة فرددت السلام وقالت: يا أبت أعرض عليك صوتا قد تقدم. ولا شك إليك خبره، وقد سمعتُ الوزير يقول إن الناس يُفْتنون بغنائهم فيعجبهم منه ما لا يعجب غيرهم يفتنون بأولادهم فيحسن في أعينهم منهم ما ليس يحسن، وقد خشيت على الصوت أن يكون كذلك، فقلت هاتِ، فأخذت عودها وتغنت تقول:

نفسي أكنتُ عليك مدعيا ... أم حين أزمع بينهم خُنْتِ؟

إن كنت مُولَعة بذكرهم ... فعلى فراقهم ألا مُتَّ؟

قال فأعجبني والله غاية العجب، واستخفني الطرب حتى قلت أعيديه فأعادته وأنا أطلب لها موضعاً أصلحه، وأغَيَّره عليها. لتأخذه عني، فلا والله ما قدرت، ثم قالت لها أعيديه الثالثة، فأعادته فإذا هو كالذهب المصفى، فقالت أحسنت يا بنية، وأصبت، وقد قطعت بحسن إحسانك، وجودة إصابتك، ثم خرج، فلقيه يحيى فقال: كيف رأيت صنعه ابنتك دنانير قال: أعز الله الوزير والله ما يحسن كثير من

حذاق المغنين مثل هذه الصنعة، ولقد قلت لها أعيديه. وأعادته علىَّ مرات، كل ذلك أريد إعناتها لأجتلب لنفسي يؤخذ عني وينسب إلىّ فلا والله ما وجدته.

وإذا شئت أن تعرف ما لهذه الجارية من بعد الشأو في الشعر، ولطف المدخل في الغناء، فإليك قول جحطة البرمكي: كنت وابن جامع نعاني دنانير جارية البرامكة فكثيراً ما كانت تغلبنا وكلا هذين الرجلين قطب من أقطاب الغناء، في الدولة العباسية، وعلم من أعلامه.

ومن حديث وفائها لمواليها، أن الرشيد دعل بها بعد أن أوقع نكبته بالبرامكة، فأمرها أن تغني، فقال يا أمير المؤمنين، إني آليت ألا أغني بعد سيدي أبداً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015