وإذا به أقبل على بغلة، ومعه دنانير على حمار، فنزلا وجلسنا، وقد سترت بعض وجهها عني، فقلت أداعبها - وكان محمد يأنس بي ويسكن إلي -: إنما تسترين وجهك عن شيخ، فقالت: طماح العين، فضحكنا ثم أخذنا ننظر إلى رياض الحيرة وبقاعها ونتذكر ما مضى بها من الزمان ونستحسن حمرة الشقائق على ائتلاف تلك الأنوار والألوان، فأخذ محموداً عوداً وكتب على الأرض:

الآن حين تزين القطر ... أنجاده ووهاده العفر

فقلت أحسنت وكتبت:

برية في البحر نايتة ... يجيء إليها البر والبحر

فكتبت:

وسرى الفرات على مياسرها ... وجرى على أيمانها النهر

وبدا الخورنق في مطالعها ... فرداً يلوح كأنه الفجر

كانت منازل للملوك ولم ... يعمل بها لمملك قبر

أقول ومن أشرف الشعر وأجزله وأنزهه قولها تخاطب أبا الشعثاء وكان رجلا عفيفا مزاحا، وكان يدخل إلى ابن يسمع غناءها ويعرض لها بأنه يهواها:

لأبي الشعثاء حب كامن ... ليس فيه نبضة للمتهم

يا فؤادي فازدجر عنه ويا ... عبث الحب به فاقعد وقم

زارني منه كلام صائب ... ووسيلات المحبين الكلم

صائد تأمنه غزلانه ... مثل ما نأمن غزلان الحرم

صَلَّ إن أحببت أن تعطي المنى ... يا أبا الشعثا لله وصم

ثم ميعاد يوم الحشر في ... جنة الخلد إنِ الله رحِم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015