بوائق الغيرة

الغيرة ضرب من ضروب الأثرة، لا بد منه لحياطة الشرف، وصيانة العرض وهي مثار الحمية والحفيظة فيمن لا حمية ولا حفيظة له. وإنما تقبل - بل تجب - إذا خاف الرجل على شرفه أن ينثلم، وعرضه أن يهان. فأما أن تقتاد الرجل في كل آنة، وتفزعه في كل موطن، فهي خَبْل ووسواس، وأولى بها أن تدنى إليه الشر من حيث يتقيه. ولقد مُنى العرب في جاهليتهم باتقاد الغيرة حتى جاوزوا بها طورها. وحتى قادت فريقاً منهم إلى قذف زوجته في عرضها، لهاجس اعتاده، أو خلجة من الشك نفذت إليه. فرفعوا خصومتهم، واحتكموا في أعراضهم إلى فريق الكهان والكواهن، وهم بَشَر يقذفون الغيب برجم الظنون، فيخطئون ويصيبون.

وإن من أشد ضروب الوهم، وأفدح أثقال الظلم، أن ترى العربي يريد السفر، فيعمد إلى شجرة فيعقد بين غصنين منها، فإن عاد وكان الغصنان على حالهما، زعم أنها لم تخنه، وإلا فقد خانته. وذلك ما يسمونه بالرتيمة. كأن عرض المرأة، بل عرض الأسرة بل عرض الحي الذي نشأت المرأة بين ربوعه ودرجت بين مدارجه مُرْتَهن بغصنين تعصف بهما الريح، أو تعبث بهما الأيدي، فتفرق بينهما.

أما أسباب تلك الغيرة الموبقة، فقد قطعها الإسلام، إلا أن تكون عن علم وبينة فأما حكم الرّيب؛ واحتكام الشبهات فذلك ما ليس من الدين في شيء.

وقد فرض الله جل ذكره على من رمى امرأته في عرضها أن يشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين، فيما قال وادعى. والخامسة أن لعنة الله عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015