وإن محالا إن تعمد إلى الأخلاق النظرية فتسوقها إليها قواعد يزدحم بعضها بعضاً وعظات ينهال بعضها على بعض. فإن ذلك مما يكدّ ذهنها، ويثقل خاطرها. وربما شق عليها استظهارها، فأبغضتها وأبغضت ما حوتها.

ليس إلا الدين. فهو الذي يملك زمام نفسها. وقوام أمرها بما فيه ذكر الله، ووصف جلاله وعظمته، وملكوته وجبروته، وعجيب صنعه وبديع آياته وقدرته ورحمته، وناره وجنته، وأشباه ذلك مما يوافق سجيتها ويثير عاطفتها ويزيد غرسها زكاء ونفسها صفاء.

وليس بفائتنا أن نقص عليك قصصاً مما يسوقه بعض كتب التربية الفرنسية دعماً لذلك الرأي وإعزازاً له:

قالوا: إن صبية في التاسعة من عمرها مَرنت على الإساءة إلى أمها. ولم تزدها

الأيام إلا جفوة وعنادا. حتى لقد رمتها ذات عشية بقطعة من الخبز كانت في يدها ذهلت الأم لذلك واضطربت. وخرجت لساعتها إلى مربية ابنتها بالمدرسة تشكو إليها بثها، وسوء صنيع ابنتها بها. فهدأت ثائرتها، وقالت لها: دعيني وإياها.

استهل الصباح، فدرجت الصبية إلى مدرستها. ودق ناقوس الكنيسة فغدا إليها التلميذات وهي معهن، ثم أخذت كل واحدة مكانها. وأقبلت المربية فجلست مطرقة صامتة لا تقول شيئا، ولا تفعل شيئا. تطاول الوقت حتى أوشك أن ينتهي. ونشرت السكينة رواقها على البنات جميعاً، وأبى عليهن جلال المكان وهيبة المربية أن يكلمنها. ثم اعتزمت الكلام فكن جميعاً عيوناً شواخص إليها وقلوباً حوائم إليها. فانطلقت تقول:

بينكن صبية أغضبت الله. . . وأخشى أن يشملنا جميعاً غضبه لوجودها فينا. أو تعلمن أي أثم اقترفت، وإلى أي هاوية من الخطيئة سقطت؟ إنها أهانت أمها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015