والمناظرة في الأداء، وعاقب عليه، وأمر بإظهار الرواية للحديث، فأظهر الله به السنة، وأمات به البدعة، وكشف عن الخلق تلك الغمة، وأنار به تلك الظلمة، وأطلق من كان اعتقل بسبب القول بخلق القرآن، ورفع المحنة عن الناس (?).

وقد زاد الله المسلمين إكرامًا بثبات إمام السنة، فأصيب ابن أبي دواد بالفالج، وعُزل عن القضاء، وولي ابنه من بعده، فلم يحسن السيرة في الناس، فسخط المتوكل عليه وعلى أبيه وصادر جميع أمواله، وولى يحيى بن أكثم الذي كان من بقية علماء السنة ممن صحب المأمون، وكان ينصحه ويبصره بالحق في مدلهمات الأمور.

وعظم شأن الإمام أحمد عند المتوكل، حتى صار إسحاق بن إبراهيم الخزاعي يعظمه رغم أنفه، ورغب بجواره في عاصمة الخلافة الجديدة "سامراء"، فانتقل الإمام المبجل مع أسرته إلى هناك معززًا مكرمًا، بعدما تبينت براءته من وشاية تولى كبرها ابن الثلجي بالإدعاء على إمام السنة أنه أخفى رجلًا من العلويين في بته، وصار الناس يبايعونه سرًا عنده (?).

ولكن لم تكن حياة الإمام أحمد بجوار المتوكل إلا زيادة في الزهد، وابتعادًا عن الدنيا وشبهاتها، فلم ينعم بأي شيء مما كان يغدقه الخليفة على أسرته، وسرمد الصيام حتى عاد إلى بغداد في وضعية صحية كادت تأتي على حياته.

وكان المتوكل لا يولي أحدًا إلا بمشورة الإمام أحمد، ومكث إلى حين وفاته قل أن يأتي يوم إلا ورسالة الخليفة تنفذ إليه في أمور يشاوره فيها، -رَحِمَهُمَا اللهُ- جميعًا (?).

• رأي الإمام أحمد في مسألة خلق القرآن:

مما ينبغي تسجيله في ذيل هذا الحادث الذي فُتن الناس به، وجعلهم يتقاولون ويتجادلون إلى حين، أن نترجم مذهب الإمام الشيباني الذي كان يسأله عنه الناس بعد تلك المحنة، حتى كان من جملة السائلين له إسحاق بن إبراهيم، بعدما عظم شأنه عند المتوكل، وقال له: "أسالك مسألة مسترشد لا مسألة امتحان، وليكن ذلك عندك مستورًا، ما تقول في القرآن؟ فقلت: القرآن كلام الله غير مخلوق، قال لي: من أين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015