طبقة المؤلف وتلامذته -وهي طبقة المتوسطين- حذا فيه حذو المجتهدين في المذهب، المصححين لروايات الإمام، وكان للهداية الحظوة الكبيرة، والسير الحثيث بين صفوف حنابلة حرّان على وجه الخصوص.

فالمحرر إذن مصدر من المصادر التي قررت بالروايات والوجوه المطلقة، فإننا كثيرًا ما نجده يقول: فيه روايتان، أو: وجهان، أو: على روايتين، أو: وجهين. ونحو ذلك.

وتارة ينسب الإختيارات إلى أصحابها، فيقول: قال أبو الخطاب: كذا، أو: قال القاضي: كذا، قال ابن أبي موسى: كذا. ونجده يتصرف بالترجيح والإختيار أحيانًا، فيقول: وهو أصح عندي، أو: هو المذهب، أو: على الأصح، أو: ويتخرج كذا، أو: يحتمل كذا. ومن أجل هذه التصرفات بالنقل والترجيح، والحكاية للروايات والوجوه، كان "المحرر" من أهم الكتب التي عول عليها المرداوي في "إنصافه"، فصوَّب فيها الخطأ، وصحح الخلاف، وقيَّد المطلق، وغير ذلك.

ونظرًا لكون "المحرر" صنوَ "المقنع" في الجمع والتحرير، والتقديم والتأخير، والترجيح والتقرير، وهي طريقة جديدة عرفها المذهب في القرن السابع، فإن هذين الكتابين كصاحبيهما عُدَّا حاكمين على اختلاف الترجيح، فعليهما المعوّل والإعتماد، وإليهما المنزع والإرتياد. وفي ذلك يقول العلّامة المرداوي: "فإن أطلق -أي صاحب"الفروع"- الخلاف، أو كان غير المعظم الذي قدّمه، فالمذهب ما اتفق عليه الشيخان، أعني المصنف (الموفق) والمجد، أو وافق أحدهما الآخر في أحد اختياريه" (?).

وقال الحافظ ابن رجب في ترجمة أبي الفتح ابن المني البغدادي (ت 583 هـ): وأهل زماننا، ومن قبلهم إنما يرجعون من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين: الموفق والمجد (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015