وقال الزعفراني: ما دخلت على الشافعي قط إلا وأحمد كان قد سبقني إليه (?).

وهكذا تضلع أحمد من كتب الشافعي، وتلقى عنه مذهبه القديم الذي يعتبر في أغلبه مذهب مالك وأهل المدينة، لكن الشافعي رجع عن كثير من ذلك المذهب القديم إلى مذهبه الجديد الذي دونه في كتاب "الأم"، ورواه عنه الربيع بن سليمان المرادي وأصحابه المصريون.

فهذه الصحبة المباركة بين الشافعي وأحمد كانت ذات أثر عميق في الإنسجام والتقارب بين المذهبين في الأصول والفروع على السواء، وقد ألف في ذلك الشيخ يوسف ابن عبد الهادي المتوفى سنة 959 هـ كتابًا خاصًا سماه "قرة العين فيما حصل من الإتفاق والإختلاف بين المذهبين".

وقد ذكر سبب تأليفه لهذا الكتاب في "مناقب الإمام أحمد"، فقال:

ومن الناس من يقول: ليس بين مذهب أحمد ومذهب الشافعي خلاف إلا في مسائل قليلة نحو ست عشرة مسألة. وهذا قول بعض الأغبياء، إشارة منه إلى أنه لا حاجة إلى مذهب أحمد. فإذا حقق الإنسان النظر وجد مذهب أحمد مخالفًا لمذهب الشافعي في أكثر من عشرة آلاف مسألة، بل وأكثر من ذلك. هذا القاضي عز الدين صنف في المفردات المخالفة للمذاهب الثلاثة كتابه المشهور الذي فيه أكثر من ثلاثة آلاف مسألة. ولِمَ، وهي بالضرورة مخالفة لمذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة؟ ومفردات مخالفة الشافعي فقط لم يدركها. ومن قال ذلك، ينظر إلى الخلاف الضعيف، فإنه قلَّ مسألة إلا وفيها قول ضعيف في مذهب أحمد، ومذهب الشافعي؛ فيقول: هي موافقة. وهذا قول لا عبرة به. وقد وضعت كتاب "قرة العين فيما حصل من الإتفاق والإختلاف بين المذهبين"، وذكرت من ذلك مسائل كثيرة (?).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ-: وموافقته أي أحمد للشافعي وإسحاق أكثر من موافقته لغيرهما، وأصوله بأصولهما أشبه منها بأصول غيرهما، وكان يثني عليهما، ويعظمهما، ويرجح أصول مذهبهما على من ليست أصول مذهبه كأصول مذهبهما.

ومذهبه: أن أصول فقهاء الحديث أصح من أصول غيرهم، والشافعي وإسحاق، هما عنده من أجل فقهاء الحديث في عصرهما، وجمع بينهما في مسجد الخيف فتناظرا في مسألة إجارة بيوت مكة (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015