وهذا الكتاب، على ما يبدو، جرد فيه عبد العزيز بن جعفر جملة المسائل الخلافية بين الإمامين الشافعي وأحمد، فاجتهد في تخريجها وترتيبها على الأبواب الففهية، وبيّن أدلة الإمام أحمد من المنقول والمعقول.

ولا ويب أن هذا الكتاب يعدُّ أولَ تصنيف يصدر للحنابلة كاشفًا عن مدى تميز أحمد عن الشافعي، إلى حدّ أن خلافه ليس اختيارًا في مذهب الشافعي، كما وصف بعض المتقدمين، بل هو خلاف بين مذهبين مختلفين في المسألك والنتائج على حَدٍّ سواء.

ولم يزل الحنابلة يؤلفون في خصوص تفردات (?) الإمام أحمد عن الشافعي، إلى أن كان آخرهم تصنيفًا في ذلك جمال الدين يوسف بن عبد الهادي المقدسي الصالحي (ت 909 هـ) صاحب التصانيف الكثيرة، في كتابه "قرّة العين في الخلاف والوفاق بين المذهبين" (?).

وكما يأتى كتاب "الخلاف مع الشافعي" لغلام الخلّال في موقع التمييز بين المذهبين، فإن كتاب "الخلاف بين أحمد ومالك" لإبن المسلم (ت 387 هـ) يأتي هو الآخر في موقع التمييز بين مالك بن أنس وأحمد، ويبين تفردات هذا عن ذاك؛ ليصبح المذهب الحنبلي واضح الإستقلال بخطة اجتهادية ضمن مدرسة الحديث التي تولد منها مذهب مالك، فالشافعي، فأحمد.

ولا نعلم أحدًا من علماء الحنابلة انتدب لإفراد الخلاف بين الإمام أحمد والإمام أبي حنيفة، وأصحابه، وريما يعود السبب في ذلك إلى الهوة السحيقة والمحاجزة السميكة بين مسلك أهل الرأي ومسلك أهل الحديث. على أن هذا لا ينفي وجود اتفاق بين الحنابلة والحنفية، بل نجدهم يتفقون في التفرد بالذهاب إلى ما لم يقل به غيرهم في عدد غير قليل من المسائل الخلافية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015