وقال في موضع آخر: وإن عُد الفقهاء فهو مجتهدهم المطلق (?)، وقال البرزالي-وهو تلميذه-: وبلغ رتبة الإجتهاد، واجتمعت فيه شروط المجتهدين (?)، ولا ريب أنه يعني بذلك المجتهد المطلق، لأن شروط المجتهدين التي نص عليها الأصوليون والفقهاء هي الشروط التي تؤهل الفقيه إلى رتبة الإجتهاد المطلق.

فهذه الشهادات، وغيرها مما تركناه، تدل على أنه كان مجتهداً مطلقاً في نظر أولئك الذين يعرفونه عن قرب، ويشهدون على المعاينة، أو النقل القريب. وبالتالي لا يعتبر التوسط بين هؤلاء وبين أولئك الذين ظلموه ويخسوه حقه عدالة في القول وصواباً في الحكم وتجانفاً عن الغلو.

ثانياً: أن كثيراً ممن ترجم له وصفه بأنه كامل المعرفة بالقرآن وعلومه، والحديث وفنونه، واللغة ومباحثها، والأصلين، وغير ذلك مما يعده الأصوليون في الشروط المطلوبة في المجتهد. وإذا كان الذي يحفظ أحاديث الأحكام بالإضافة إلى الدراية بعلوم السنة محصلاً لشرط الإجتهاد المطلق في ذلك، فكيف برجل قيل فيه: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث (?)؟!!

بل قد صرح الكمال ابن الزملكاني باستكمال شروط الإجتهاد لدى ابن تيمية، فقال: اجتمعت فيه شروط الإجتهاد على وجهها (?).

ثالثاً: إن الشيخ أبا زهرة نفسه يقرر استقلال شيخ الإسلام بأصول يتميز بها عن غيره في الإجتهاد، فيقول مثلاً: إنه بلا شك من حيث أدوات الإجتهاد، والمدارك الفقهية، ومن حيث علمه بالسنة واللغة ومناهج التفسير، وفهمه للقرآن، وأصول السنة وإحاطته بالحديث دراية ورواية، يوضع في الدرجة الأولى من الإجتهاد المطلق (?). لكنه مع ذلك لم يجعله مجتهداً مستقلاً، لكونه يدور في فلك المذهب الحنبلي في نتائج الإجتهاد، حيث يتفق غالباً مع مذهب أحمد، ولو في بعض الروايات التي نُقلت عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015