وعندما ذكر البغدادي كتابه هذا قال: "يُقال: إنه حُبِس وطِيف به لأجل ذلك" (?).

ثم زاد ابنُ رجب: "ومن دسائسه الخبيثة أنه قال في شرح الأربعين للنووي: اعلم أنَّ من أسباب الخلاف الواقع بينَ العلماء تعارضَ الروايات والنصوص، وبعضُ الناس يزعم أن السبب في ذلك عمر بن الخطاب، وذلك أن الصحابة استأذنوه في تدوين السنة من ذلك الزمان فمنعهم من ذلك، وقال: لا أكتب مع القرآن غيرَه. مع عِلْمِه أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "اكتبوا لأبي شاه خطبة الوداع". وقال: "قيِّدوا العلم بالكتابة".

قالوا: فلو ترك الصحابة يُدَوِّنُ كلُّ واحد منهم ما روى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لانضبطت السنة، ولم يبقَ بين آخر الأمة وبينَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في كل حديث إلا الصحابي الذي دَوَّن روايته، لأن تلك الدواوين كانت تتواتر عنهم إلينا، كما تواتر البخاري ومسلم ونحوهما".

قال ابن رجب: "فانظر إلى هذا الكلام الخبيث المتضمن أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه هو الذي أضل الأمة، قصداً منه وتعمداً، ولقد كذب في ذلك وفجر. ثم إن تدوين السنة أكثر ما يفيد صحتها وتواترها، وقد صحَّت بحمد الله تعالى، وحصل العلمُ بكثير من الأحاديث الصحيحة المتفق عليها -أو أكثرها- لأهل الحديث العارفين من طرق كثيرة، دونَ من أعمى الله بصيرتَه، لإشتغاله عنها بشُبَهِ أهل البدع والضلال. والإختلاف لم يقع لعدم تواترها، بل وقع من تفاوت فهم معانيها، وهذا أمر موجود، سواء دونت وتواترت أم لا، وفي كلامه إشارة إلى أن حقها اختلط بباطلها، وهذا جهل عظيم" (?).

ونقل ابن حجر، عن الكمال جعفر -قرأه بخطه-: "كان القاضي الحارثي يكرمه ويبجله ونزَّله في دروس، ثم وقع بينهما كلام في الدرس، فقام عليه ابن القاضي، وفوضوا أمره إلى بعض النواب، فشهدوا عليه بالرفض، فضُرب، ثم قدم قوص، فصنف تصنيفاً أنْكَرتُ عليه فيه ألفاظاً فغيَّرها، ثم لم نَرَ منه بعدُ ولا سمعنا شيئاً يَشِينُ، ولم يزل ملازماً للإشتغال، وقراءة الحديث والمطالعة، والتصنيف، وحضور الدروس معنا إلى حين سفره إلى الحجاز" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015