وبالجملة فقد سبق كلام ابن رحب في ترجمة ابن المنّي: أن العلماء وإلى وقته لم يزالوا يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى المجد والموفق ابن قدامة. فالعمدة في معرفة الصحيح والراجح في المذهب الحنبلي عند اختلاف الشيوخ في ذلك إلى هذين الإمامين (?).

وأما عبد الحليم (682 هـ) فله هو الآخر أثر كبير في القيام بنشر العلم بحرّان قبل رحلته إلى الشام، وإنما اختفى نوره -كما قالوا- بين ضوء الشمس ونور القمر، أعني: ولده أبا العباس ووالده عبد السلام، فإن فضائله وعلومه انغمرت بين فضائل أبيه وابنه وعلومهما.

قرأ المذهب على أبيه، فلما أتقنه وصار في درجة الإمامة فيه، تسلّم مقاليد التدريس والإفتاء، والتصنيف، وصار شيخ البلد بعد أبيه خمسة عشرة سنة قبل أن يهاجر إلى الشام سنة 667 هـ، بالإضافة إلى ذلك كان خطيب حرّان وحاكمها، وكان إمامًا محققا لما ينقله (?).

وقد خدم المذهب من خلال هذه المنابر، بالإضافة إلى أنه أنجب شيخ الإسلام أبا العباس فكان والده وشيخه بآن واحد، "والولد من كسب أبيه" كما ورد في الترمذي وغيره، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

ولما قدم عبد الحليم إلى الشام مع أسرته، سكن بدار الحديث السكرية، واستلم مشيختها، وكان له كرسي خاص به في الجامع الأموي يتكلم عليه عن ظهر قلبه، فلما توفي خلفه ولده أحمد في هذا المجلس (?).

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015