وكذلك كلمة رغم في استعمالها هنا خطآن: أحدهما أنها ليست من حقل الشعر؛ لأن للشعر كلماته التي توحي بالشاعرية لا بالتدليل ولا التعليل وارتباط الأسباب بالمسببات، وهذا ما تدل عليه كلمة "رغم".

ثانيهما: أنَّ الأصل في استعمالها أن يقول الشاعر: "على الرغم من...."، وأما بالطريقة التي عرضها فهي استعمال علمي بلا ريب.

وكذلك لم تتلاءم بعض الصور مع معانيها وأغراضها التي تعبّر عنها مثل الصورة التي مرَّ التعقيب عليها في قصته الشعرية "غسيل الملائكة"، ومثل قوله في قصيدة "طيفان"، ويقصد الشاعر بهما النبي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وجبريل -عليه السلام:

ويغطه جبريل يعلمه ... باسم الإله يقين ما جهلا

ومحمد يجثو وقد حبلت ... أذناه بالوحي الذي نزلا

ولد الهدى يا للمخاض فيا ... دنيا اعتلي إن المخاض علا1

ويقصد الشاعر "حبلب" بفتح الحاء وكسر الباء، وقد شكلها على هذا النحو في الديوان، وليته ما شكلها؟ بل تركها للقارئ تحتمل الوجه الآخر وهو "حبل" بفتح الباء، ليكون معناها على سبيل المجاز أليق بمقام النبوة، فكأن الوحي على ذلك ربطه بالسماء وبالله -عز وجل، كما يربط الطرفان بالحبل، ولكن الذي صرف هذا الاحتمال عند الشاعر أمران: الأول التشكيل بكسر الباء، والثاني الإتيان بما يتناسب مع الحبلى من المخاض، وهذه الصورة لا تليق بمقام النبوة الشريف وجلال الوحي، وقدسية التنزيل؛ لأن الشاعر جعل الأذن حبلى بالوحي الذي نزل على محمد -صلى الله عليه وسلم، فتمخضت الحبلى حين المخاض، وولدت الهدى للبشرية جمعاء، وهذا لا يصح أن يقال في هذا المجال، ويبدو أن الشاعر شديد الإصرار لما ذكره في البيت التالي من لفظ "الحمل":

حملته كفًّا مؤمن رحل ... هيا اقبلي الإيمان والرجلا

وقوله:

سمعته هذي الأرض فانتفضت ... من دهشة وتلجلجت خجلا

والأرض بكر رغم ما عشقت ... لكنها لم تعرف القبلا

وليس تبريرًا صحيحًا ما يقوله الشاعر عن نفسه من أنه لا يراجع العمل الفني بعد صدوره لأول مرة، وذلك بالتهذيب والصقل، فهذا القول لا يشفع له في مثل هذه المواقف،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015