ومن هنا حملت "الرومانتيكية" مذهبًا جديدًا أطلق الحرية للشاعر، وأفسح للمشاعر الذاتية في نفسه، فانطلق يتغنى بوجدانه وأحاسيسه الفردية، هائمًا وراء عاطفته المستعرة.

ولهذا كانت "الرومانتيكية" ثورة على سلطان العقل، وتمردًا على القيود القديمة "الكلاسيكية"؛ لتتخطى العاطفة والوجدان والمشاعر حواجز التزمت والجمود، الذي فرضه العقل والروتين والاحتذاء والتقليد على الواقع الإنساني حتى القرن السابع عشر الميلادي.

وما دامت "الرومانتيكية" قد تحررت من هذه القيود، كان بالضرورة أن تتحرر من الموضوعية، لتنطلق مع الشعر الغنائي، الذي يعبر عن ذات الشاعر من خلال الاتجاهات العاطفية، والقضايا الاجتماعية، على اعتبار أن الشاعر جزء من المجتمع الذي يعيشه أو يتجاوب معه، أو هو قطعة حية منه، ولذلك حطم الشعراء الرومانتيكيون" نظرية المحاكاة عند أفلاطون وأرسطو التي تعبدت "الكلاسيكية حتى القرن السابع عشر الميلادي.

في القرن الثامن عشر الميلادي ظهرت "الرومانتيكية" في فرنسا على يد "جان جاك روسو 1722- 1778م"، وفولتير، وهيجو، ولامرتين، وبيرون، "ومدام دي ستال 1766-1817م"، "وشاتو بريان 1768-1848م"، وسواهم.

كانت طبيعة "الرومانتيكية" التمرد على الالتزام المتحجر بالقيود التقليدية، والثورة على التطبيق الحرفي للقواعد الفنية "الكلاسيكية"، لكنهم احتفظوا بروح القواعد القديمة التي تجعل الشعر فنًّا جميلًا ممتعًا، وأدبًا رائعًا جذابًا، يفيض حيوية من خلال معاصرته.

ولذلك يبدو الفرق واضحًا بين تحطيم القواعد والخصائص الفنية من أساسها، بحيث لا يبقى لها أثر مطلقًا، وبين الخروج عن الروتين الجامد فيها، فالخروج يتيح للشاعر استعمال القواعد "الكلاسيكية"، لكن من خلال النظرة المعاصرة، وعن طريق التوليد لها بما يتناسب مع مقتضيات الإنسان من داخل نفسه، عن طريق التجرد من هموم العصر وأثقاله، والتحرر من سلطان الواقع وكابوس الروتين، ولو أثناء تجسيم التجربة الشعورية الذاتية في بناء العمل الفني، مهما كان الوقت قصيرًا في تحقيق ذلك.

وهذه الملامح لطبيعة "الرومانتيكية" لا تلتقي في كل الوجوه مع ما ينشأ في الأدب العربي الحديث من مدارس تتشابه لها، وإن اتفقت معها في بعض الخصائص، ومنها صفة الإنسانية التي يشترك فيها كل إنسان في العالم مهما اختلفت مشاربه واتجاهاته.

ولكن يظل الفرق واضحًا من حيث الظروف، والدواعي، والأسلوب، والاتجاه الأخلاقي، والمزاج الشخصي النامي من بيئة معينة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015