كيفَ الفواتُ، والطلوبُ مورقُ

شيخٌ مغيطٌ، وسنانٌ يبرقُ

وحنجرٌ رحبٌ، وصوتٌ ملصقٌ

وشدقُ ضرغامٍ، ونابٌ يحرقُ

وشاعرٌ باقي الرسومِ، مغلقُ

وأما ذو الركبة: فكان عبداً. وسمي ذا الركبة بقوله:

سخرَ الغواني إذْ رأينَ مويهناً ... كالبوّ، أكهبُ شاحبٌ منهوكُ

والركبتانِ مفارقٌ رأساهما ... والظهرُ أحدبُ، والمعاشُ ركيكُ

سئمَ الحياةَ، ولاحَ في أعطافهِ ... قشفُ القتيرِ، وذلةُ المملوكِ

فجنى جناية، فباعوه في بعض الأسواق إلى رجل، فضربه يوماً، فقال:

ولولا عريقٌ فيَّ من حبشيةٍ ... يردُّ إباقي بعدَ حولٍ محرمِ

وبعدَ السرى في كل طخياء حندسٍ ... وبعدَ طلوعي مخرماً بعدَ مخرمِ

علمتَ بأني خيرُ عبدٍ لنفسهِ ... وأنكَ عندي مغنمٌ، أيّ مغنمِ

وأما المندلث: فكان عبداً لبني عبد شمس، فقتل عبداً آخر فخاف، فلحق بحاجب، أحد بني الخطاب بن عبد شمس، فقال:

أقولُ لأدنى صاحبٍ أستشيرهُ ... وللأخطلِ الطائيِّ ما تريانِ

فقال الذي يبدي النصيحةَ ... أرى اليومَ أنْ تختارَ أرضَ عمانِ

فإنْ لا تكنْ في حاجبٍ وبلادهِ ... نجاةٌ، فقد زلتْ بكَ القدمانِ

فتىً من بني الخطابِ يهتزُّ للندى ... كما اهتزَّ ماضي الشفرتينِ، يمانِ

وأما الحيقطان: فكان شاعراً وخطيباً، وكان عبداً أسود. وهجاه جرير فقال:

كأنهُ لما بدا للناسِ

أسودَ في بيضٍ من اللباسِ

أيرُ حمارٍ لفَّ في قرطاسِ

فقال الحيقطان:

إنْ يكُ لوني حائةً في الناسِ

فذاكَ في قومي، وفي أجناسي

فلم ينكسْ ذكرهُ براسي

ولي لسانٌ، وحجابي آسِ

لكلِّ ما أعيا على النطاسِ

وبه ضرب الشاعر المثل فقال:

وما كان شاعرهم دغفلٌ ... ولا الحيقطانِ، ولا ذو الشفهْ

دغفل ابن حنظلة. وذو الشفة: خالد بن سلمة المخزومي.

وأما زامل: فإنه كان عبداً لمعقل بن صبيح، ثم اشتراه جعفر بن سليمان الهاشمي. وكان فصيحاً يروي عن الأصمعي. وله:

أرى معقلاً لا قدسَ الله معقلاً ... يريدُ زبالي كلما قلَّ حاملهْ

ويكلحُ في وجهي، ويخبطُ بالعصا ... ولوشئتُ قد أضحتْ فقاراً منازلهْ

فما أنتَ في الأمحالِ أضيقُ حالةٍ ... من العبدِ، إلا أن يحطمَ كاهلهْ

وأما أبو التيار: فكان إعرابياً فصيحاً، وراجزاً، محسناً، وكان مكاتباً لإسحق ابن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي، وكان اشترى نصفه فاعتقه، فقال:

إسحاقُ يا أكرمَ أهلِ الأرضِ

أعتقتَ بعضي، وتركتَ بعضي

فأتبعِ البعضَ ببعضٍ يمضي

وأما المثلم: فكان عبداً لبني سعد، فاشتراه زائدة من مزيد الأشعري وانتقل إلى الحارثي فضربه يوماً اذلالاً فشكاه إلى زائدة فلم يشكه فقال:

أغركَ مني أنَّ مولاي زائداً ... سريعٌ إلى داعي الطعامِ، ضروطُ

غلامٌ أتاهُ الذلُّ من نحو شدقهِ ... له حسبٌ، في الموغلينَ، بسيطُ

له نحوَ دورِ الكأسِ إما دعوتهُ ... لسانٌ كنصلِ الزاغبيّ، سليطُ

وإنْ تلقهُ في غارةِ الصبحِ، تلفهُ ... خضباً عليه برقعٌ وسموطُ

فلو كنتَ في سعدٍ أرنتْ نوائحٌ ... عليكَ، وحاشى بعد ذاك َربيطُ

فليتَ مليكي من خراسانَ أغتمٌ ... أرب، طوال الساعدينِ، حبوطُ

وليت مليكي بين كوثى وبارقٍ ... وكانَ مكان الأشعرينَ ينيطُ

وأما الهزر: فهو القائل:

ولما رأيتُ العامَ عامَ شضيةٍ ... أغيبرَ محلاهُ، تصرُّ جنادبهْ

شددتُ له أزري، وأيقنتُ أنهُ ... أخو الهلكِ من سدتْ عليهِ مذاهبهْ

وأما أبو عطاء: فمشهور وهو أبو عطاء السندي، وكان عبداً لبني أسد. وهو القائل في يوم من بني عبد المطلب:

لا بكتْ عين الذي تبكي لهم ... آفةُ الدينِ، وأعداء العربْ

وكان حائل اللون، في لسانه عجمة لا يكاد يفصح عن شئ. فكان إذا عمل شعراً استعام بمن يورده عنه. فعمل بعض الأيام شعراً، وأعوزه من ينشده عنه، فكتب إلى صديق له معلم، يسأله أن ينفذ إليه غلاماً ينشد له شعراً، كان امتدح به بعض الأشراف:

أعوزتني الرواةُ يا ابن سليمٍ ... وأبى أنْ يقيمَ شعري لساني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015