متى يرجى الغنى، إذا نزلتْ ... بعقوتيكَ الأسقامُ والعللُ

ومما يستحسن من شعره:

فتىً إذا ما الحربُ قامت بهِ ... قامَ مقامَ الأسدِ الوردِ

تحسبهُ عبداً لأخوانهِ ... وليسَ فيه خلقُ العبدِ

قال: وأخذه من قول عروة بن الورد:

وإني لعبدُ الضيفِ ما دامَ ثاوياً ... وما فيَّ إلا تلكَ من خلقِ العبدِ

وقال الآخر:

مخدمونَ، كرامٌ في مجالسهم ... وفي الرحال، إذا صاحبتهمْ، خدمُ

وما أجالسُ من قومٍ فأذكرهم ... إلا يزيدهمُ حباً إليَّ همُ

وقال آخر:

لعمرُ أبيكَ الخير إني لخادمٌ ... صحابي، وإني، إذ ركبتُ، لفارسُ

وإني لعبدُ الله من غير ريبةٍ ... وحاميهمُ بالسيفِ، والدين قابسُ

وقال الآخر:

عبيدُ أخوانهم، حتى إذا ركبوا ... يومَ الكريهةِ، فالآسادُ في الأجمِ

وقد أكثر الشعراء في هذا المعنى، ومما يستحسن من شعره في الغزل:

نحنُ قومٌ تذيبنا الأعينُ النج ... لُ، على أننا نذيبُ الحديدا

وترانا عندَ الكريهةِ أحرا ... راً، وفي السلمِ للغواني عبيدا

نملكُ البيضَ، ثم تملكنا البي ... ض الرقيقاتُ أوجهاً وخدودا

لا نصدُّ الوجوهَ من خشيةِ المو ... تِ، ونخشى من الغواني صدودا

أخذ هذا المعنى المحدثين فقال:

تقتنصُ الآسادَ من غيلها ... وأعينُ الغيدِ لها صائدةْ

ينبو الحسام ُالعضبُ عنا، وقد ... تقدحُ فينا أعينٌ قاصدةْ

تهابنا الأسدُ، ونخشى المها ... آبدةٌ ما مثلها آبدةْ

ومن هذا قول صريع الغواني:

نبادرُ ابطال الوغى فنبيدهم ... ويقتلنا، في السلمِ، لحظُ الكواعبِ

وليست سهامُ الحربِ تعني نفوسنا ... ولكنْ سهامٌ فوقتْ بالحواجبِ

ومن هذا:

فيا عجباً أنَّ الليوثَ تهابنا ... وتلعبُ بالألبابِ منا الجآذرُ

ومات عبد الله بن طاهر وهو ابن ثمان وأربعين سنة. ومن جيد قصائده:

سحابُ الصبى عنا جميعاً تقشعا ... فأورقَ عودُ الحلمِ فينا، وأينعا

خليليَ قد بانَ الشبابُ، وأصبحتْ ... ديارُ التصابي واللذاذةِ بلقعا

عنيتُ زماناً بالشبابِ، ولم أزلْ ... بحدتهِ، قبل المشيبِ، ممتعا

فلما تفرقنا كأنَّ الذي مضى ... من العيشِ لم ننعم به ليلةً معا

وعاذلةٍ هبت بليلٍ تلومني ... على أربعٍ، أكرمْ بما هنَّ أربعا

رأتني أهينُ المالَ في طلب العلى ... وأبذلهُ للضيف جاءَ مروعا

وأغضي على أشياءَ، مما تريبني ... ولو شئتُ غصَّ المرءُ بالماءِ مجرعا

وأركبُ حدَّ السيفِ في حومةِ الوغى ... إذا لم أجدْ إلا إلى السيفِ مفزعا

وأسحبُ ذيلي في الرخاءِ بخردٍ ... حسانٍ، كنظمِ الدرِّ لما ترصعا

فيوماً تراني في شبابٍ أجرها ... ويوماً تراني في الحديد مقنعا

أعاذلَ من لم يبذلِ المالَ في العلى ... يكن للتي يسمو إليها مطيعا

فلستُ ببدعٍ في سموي إلى العلى ... ورفضي دنياتِ الأمورِ ترفعا

أبي رجعَ الإسلامَ غضاً لأهلهِ ... وقد مالَ ركناهُ، بهم، وتضعضعا

وآبَ على مخلوعها بمصمم ... فطارَ من الدنيا جناناً مفزعا

عشيةَ ألقى الموتَ بالخلدِ بركه ... وللهِ يوم كانَ ما كانَ أشنعا

وكان حسينٌ لا كفاء لفضلهِ ... وجدُّ أبي كان الرئيسَ المشيعا

أولئكَ أصلٌ، لم تخنهُ قرومهُ ... ولم يلدوا إلا هماماً سميدعا

أعاذلَ من لم يغضِ عيناً على قذىً ... يعشْ واحداً في الناسِ، حتى يودعا

ومن مراثي عبد الله قوله يرثي أخاه:

منْ ذا يساعدني على الدهرِ ... أمْ منْ يعينُ بعبرةٍ تجري

دهرٌ غدا من غير مأثرةٍ ... عندي، ولا نبلٍ، ولا وترِ

إلاّ تكنْ ترةٌ لديكَ له ... فلقد رماكَ بقاصمِ الظهرِ

فغدا على كهفِ الأنامِ، إذا ... ما ضنَّ عنا الغيثُ بالقطرِ

عمتْ مصيبتهُ، ولا جللٌ ... ما عمَّ أهلَ البدوِ والحضرِ

ولقد يكونُ وحولهُ عصبٌ ... كالليثِ وسطَ مزاعمٍ غبرِ

لا يسأمونَ، ولا يرونَ لهم ... حصناً، سوى الهنديّ، والصبرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015