المدونه (صفحة 2050)

الْأَرْضَ إلَّا عَلَى حِدَةٍ وَيُتْرَكُ الزَّرْعُ لَا يُقَسَّمُ.

قُلْتُ: وَلِمَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَقْتَسِمَا الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ جَمِيعًا، وَقَدْ جَوَّزَ بَيْعَ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ جَمِيعًا قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ الزَّرْعُ لِلْبَيْعِ، فَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ بَيْعَهُ، فَلِمَ لَا يُجَوِّزُ الْقِسْمَةَ فِيهِ؟

قَالَ: إنَّمَا جَوَّزَ بَيْعَ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ جَمِيعًا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ كَانَ الزَّرْعُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ قِيمَةِ الْأَرْضِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يُجَوِّزْ بَيْعَ ذَلِكَ بِالطَّعَامِ. وَهَذَانِ إذَا اقْتَسَمَا ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ، إنْ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الزَّرْعِ وَالْأَرْضِ بِنِصْفِ مَا صَارَ لِصَاحِبِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ، فَصَارَ بَيْعُ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ بِالْأَرْضِ وَالزَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ هَذَا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا وَرِثُوا رَجُلًا فَقَسَّمَ الْقَاسِمُ بَيْنَهُمْ الرَّقِيقَ وَالْإِبِلَ وَالدُّورَ وَالْعُرُوضَ، فَجَعَلَ السِّهَامَ عَلَى عَدَدِ الْفَرَائِضِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَخَرَجَ سَهْمُ رَجُلٍ وَالْوَرَثَةُ عَشَرَةُ رِجَالٍ، فَقَالَ بَعْضٌ مِمَّنْ بَقِيَ لَا نُجِيزُ الْقِسْمَةَ، أَوْ قَالُوا مَا عَدَلْتَ فِي هَذَا الْقَسْمِ فَارْدُدْهُ، أَوْ قَالُوا دَعْ هَذَا السَّهْمَ الَّذِي خَرَجَ لِصَاحِبِهِ وَاخْلِطْ هَذَا الَّذِي بَقِيَ فَاقْسِمْهُ بَيْنَنَا فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ فِيهِ؟

قَالَ: لَا يُنْظَرُ إلَى قَوْلِ الَّذِينَ أَبَوْا وَقَالُوا اُرْدُدْ الْقِسْمَةَ، وَلَكِنْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَيَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَدَلَ فِي الْقِسْمَةِ أَمْضَاهُ بَيْنَهُمْ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ بَعَثَ رَجُلًا يُقَسِّمُ بَيْنَ وَرَثَةٍ مَا وَرِثُوا مِنْ دُورٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَاسِمَ قَدْ جَارَ عَلَيْهِمْ.

قَالَ مَالِكٌ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ جَارَ عَلَيْهِمْ أَوْ غَلِطَ رَدَّ الْقِسْمَةَ. قَالَ: وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ قَسْمَ الْقَاسِمِ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ ثَوْبًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، دَعَا أَحَدُهُمَا إلَى الْقِسْمَةِ وَأَبَى الْآخَرُ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقَسَّمُ وَيُقَالُ لَهُمَا: تَقَاوَمَاهُ فِيمَا بَيْنَكُمَا أَوْ بِيعَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَقَاوَمَاهُ وَأَرَادَا بَيْعَهُ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ عَلَى ثَمَنٍ، فَإِنْ شَاءَ الَّذِي كَرِهَ الْبَيْعَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا بِيعَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ وَرِثَا دُورًا أَوْ عُرُوضًا، أَوْ اشْتَرَيَا ذَلِكَ فَقَسَّمَ ذَلِكَ الْقَاسِمُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَ سَهْمُ أَحَدِهِمَا قَالَ: لَا أَرْضَى هَذَا، أَوْ كَانُوا جَمِيعًا فَلَمَّا خَرَجَ سَهْمُ أَحَدِهِمْ قَالَ: لَا أَرْضَى هَذَا، لِأَنِّي لَمْ أَظُنَّ أَنَّ هَذَا يَخْرُجُ لِي، هَلْ تَرَى هَذَا مِنْ الْمُخَاطَرَةِ، أَمْ يَلْزَمُهُ السَّهْمُ الَّذِي خَرَجَ لَهُ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ؟

قَالَ: ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ.

قُلْتُ: لِمَ أَلْزَمَهُ مَالِكٌ هَذَا وَأَنْتَ لَا تُجِيزُ هَذَا فِي الْبُيُوعِ وَتَجْعَلُهُ مُخَاطَرَةً لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ أَتَى بِعَشَرَةِ أَثْوَابٍ أَوْ بِثَوْبَيْنِ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَقْرَعَ عَلَى الثِّيَابِ فَأَيُّهُمَا خَرَجَ السَّهْمُ عَلَيْهِ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي، فَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ، فَلِمَ جَوَّزَهُ فِي الْقِسْمَةِ؟

قَالَ: لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَ مَالِكٍ بِالْقُرْعَةِ لَيْسَتْ مِنْ الْبُيُوعِ، وَالْقِسْمَةُ تُفَارِقُ الْبُيُوعَ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَفِي الْقِسْمَةِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ شُرَكَاءُ، وَفِي الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا لِلْبَائِعِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015