المدهش (صفحة 275)

لتصبح السُّكْنَى ثمَّ يزلزلها فِي وَقت ليفطن السَّاكِن بقدرة المزعج وَجعل فِيهَا نوع رخاوة ليقبل الْحفر وَالزَّرْع وَرفع جَانب السَّمَاء لينحدر المَاء وَفرق الْمِيَاه بَين الجزائر ليرطب الْهَوَاء وأودع الْمَعَادِن كَمَا تودع الْحَاجَات فِي الخزائن وَلما بَث الطير صان عَنْهَا السنبل لِأَنَّهُ قوتك بقشور صلبة قايمات كالإبر لِئَلَّا تستفه فتموت بشماء فَيفوت الحظان ثمَّ تَأمل الرماية كَيفَ حشيت بالشحم بَين الْحبّ ليَكُون غذاءا لَهَا إِلَى وَقت عود الْمثل ثمَّ جعل كل حشوتين لفافة لِئَلَّا يتصاك فَيجْرِي المَاء ثمَّ جَاءَ بالشمس سِرَاجًا ومنضجا للثمر تجْرِي لتعمر الْأَمَاكِن ثمَّ تغيب ليسكن الْحَيَوَان وَلما كَانَت الْحَوَائِج قد تعرض بِاللَّيْلِ جعل فِي الْقَمَر خلفا وَلم يَجْعَل طلوعه فِي اللَّيْل دَائِما لِئَلَّا تنبسط النَّاس فِي أَعْمَالهم كانبساطهم بِالنَّهَارِ فيؤذي الْحَرِيص كلاله وَلما قدر غيبَة الْقَمَر فِي بعض اللَّيْل جعل أنوار الْكَوَاكِب كشعل النَّار فِي أَيدي المقتبسين وَلما كَانَت حَاجَة الْخلق إِلَى النَّار ضَرُورِيَّة أَنْشَأَهَا وَجعلهَا كالمخزون تستنهض وَقت الْحَاجة فتمسك بالمادة قدر مُرَاد الممسك ثمَّ انْظُر إِلَى الطَّائِر لما كَانَ يختلس قوته خوف اصطياده صلب منقاره لِئَلَّا ينسحج من الإلتقاط لِأَن زمَان الإنتهاب لَا يحْتَمل المضغ وَجعل لَهُ حوصلة يجمع فِيهَا الْحبّ ثمَّ يَنْقُلهُ إِلَى القانصة فِي زمَان الْأَمْن فَإِن كَانَت لَهُ أفراخ أسهمهم من الْحَاصِل فِي الحوصلة قبل النَّقْل فَإِن لم يكن لَهُ حنة على أفراخه أغنوا عَنهُ باستقلالهم من حِين انْشِقَاق الْبَيْضَة كالفراريج

وَاعجَبا كَيفَ يعْصى من هَذِه نعمه وَكَيف لَا تَمُوت النَّفس حبا لمن هَذِه حكمه إِن دنت همتك فخف من عُقُوبَته وَإِن علت قَلِيلا فارغب فِي مُعَامَلَته وَإِن تناهت فَتعلق بمحبته على قدر أهل الْعَزْم تَأتي العزائم إِن قصرت همتك فآثرت قطع الشوك صحبك حمَار وَإِن رضيت سياسة الدَّوَابّ رافقك بغل وَإِن سددت بعض الثغور أَعْطَيْت فرسا فَإِن كنت تحسن السباق كَانَ عَرَبيا فَإِن عزمت على الْحَج ركبت جملا وَإِن شمخت همتك إِلَى الْملك فالفيل مركب الْمُلُوك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015