الْمُنَافِقِينَ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَهَاهُ أَنْ يَعْمَلَ بِعِلْمِهِ فِيهِمْ فَيُقِيمَ الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ جِهَادُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ بِالْقَوْلِ خَاصَّةً، وَجِهَادُ الْيَدِ زَجْرُ ذَوِي الْأَمْرِ أَهْلَ الْمَنَاكِرِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالْبَاطِلِ، وَالْمَعَاصِي، وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَعَنْ تَعْطِيلِ الْفَرَائِضِ الْوَاجِبَاتِ بِالْأَدَبِ، وَالضَّرْبُ عَلَى مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ إقَامَتُهُمْ الْحُدُودَ عَلَى الْقَذَفَةِ الزُّنَاةِ، وَشَرَبَةِ الْخَمْرِ ثُمَّ أَوَّلُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي مُجَاهَدَتِهِ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ مَحَبَّتَهَا، وَالْعَمَلَ عَلَى تَحْصِيلِهَا مَعَ وُجُودِ شَغَفِ الْقَلْبِ بِهَا يُعْمِي عَنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَيَطْمِسُ الْقَلْبَ، وَيُكْثِرُ فِيهِ الْوَسَاوِسَ، وَالنَّزَغَاتِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ، وَجَدَ السَّبِيلَ إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ مَا شَغَفَ قَلْبُهُ بِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ.

وَقَدْ مَرَّ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِرَجُلٍ نَائِمٍ فِي السَّحَرِ فَوَكَزَهُ، وَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ قُمْ فَقَدْ سَبَقَكَ الْعَابِدُونَ فَقَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ دَعْنِي فَقَدْ عَبَدْتُهُ بِأَحَبِّ الْعِبَادَاتِ إلَيْهِ قَالَ لَهُ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَمَا ذَاكَ قَالَ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا قَالَ لَهُ عِيسَى نَمْ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ فِي خِدْرِهَا انْتَهَى ثُمَّ إنَّ الزُّهْدَ لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ إلَّا بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الْحَرَكَاتِ، وَالسَّكَنَاتِ، وَضَابِطُهُ: أَنَّ كُلَّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ، وَنَفَسٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ يَنْظُرُ فِيهِ فَمَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلْيُمْضِهِ، وَمَا كَانَ لِغَيْرِهِ فَلْيَدَعْهُ.

وَقَدْ قَالُوا: الزُّهْدُ فِي فُضُولِ الْكَلَامِ أَفْضَلُ مِنْ الزُّهْدِ فِي غَيْرِهِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَوَابًا لِأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمَّا أَثْنَوْا عَلَى رَجُلٍ قَدْ مَاتَ فَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَمَا يُدْرِيكُمْ لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ أَوْ كَمَا قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّقَلِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَقَلُّ فَائِدَةٍ فِي السُّكُوتِ تَسْبِيحُ الْأَعْضَاءِ انْتَهَى.

فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ أَقَلُّ فَوَائِدِهِ فَمَا بَالُك بِمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا السَّلَامَةُ مِنْ عَثَرَاتِ اللِّسَانِ لَكَانَ غَنِيمَةً عَظِيمَةً.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ الْأَعْضَاءَ تُصْبِحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تُنَاشِدُ اللِّسَانَ أَنْ يُسْلِمَهَا مِنْ آفَاتِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015