النَّاسِ لِأَنَّا نَجِدُ كَثِيرًا مِنْ طَلَبَةِ هَذَا الزَّمَانِ يَقْعُدُونَ فِي مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ وَهُمْ صِغَارٌ مِمَّ يَشِيبُونَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ مِنْ حُضُورِ الْمَجَالِسِ وَقَلَّ أَنْ تَجِدَ مِنْهُمْ مَنْ إذَا ذَكَرْت لَهُ سُنَّةً أَوْ بِدْعَةً يَعْرِفُهَا أَوْ يَتَنَبَّهُ لَهَا لِمَا قَدْ تَرَبَّى عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ هَذَا الْفَنِّ إلَّا قَوْلَهُ إنْ كَانَ حَاذِقًا نَبِيهًا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى كَذَا وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى كَذَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَذَا، وَقَالَ الرَّبِيعُ كَذَا فَيَبْحَثُ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ وَلَا يَعْرِفُ غَيْرَ ذَلِكَ وَهَذَا قُبْحٌ عَظِيمٌ شَنِيعٌ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الْمَنْسُوبَةُ لِلْعُلَمَاءِ تَسْأَلُ أَحَدَهُمْ عَنْ السُّنَّةِ فِي بَعْضِ تَصَرُّفِهِ لَا يَعْرِفُهَا أَوْ بِدْعَةٍ فِي زَمَانِهِ لَا يَعْلَمُهَا بَلْ يَحْتَاجُ عَلَى جَوَازِهَا لِأَجْلِ الْعَوَائِدِ الْمُسْتَمِرَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا نَبَّهَهُمْ عَلَى مَا ذُكِرَ تَيْقَظُوا لِلسُّنَّةِ فِي تَصَرُّفِهِمْ فَأَحَبُّوهَا وَتَنَبَّهُوا لِلْبِدْعَةِ فَأَبْغَضُوهَا وَهَذَا الْيَوْمَ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي مَسْأَلَةٍ فَكَيْفَ بِهَذَا الْعَالِمِ الَّذِي قَعَدَ يُعَلِّمُ الْأَحْكَامَ وَوَاجِبٌ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ بِاللِّسَانِ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ عُرِفَتْ السُّنَّةُ إذْ ذَاكَ مِنْهُ وَعُرِفَتْ الْبِدْعَةُ وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ أَنْ يَبْقَى كُلُّ مَنْ حَضَرَ يَعْلَمُ مِنْ أَيِّ قِسْمٍ هُوَ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ يَتَصَرَّفُ وَهَلْ هُوَ فِي سُنَّةٍ أَوْ فِي بِدْعَةٍ وَهَذَا خَيْرٌ عَظِيمٌ لِبَقَاءِ هَذَا الْمَنْصِبِ الشَّرِيفِ نَظِيفًا لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ غَيْرُ مَا هُوَ فِيهِ فَتَزُولُ بِسَبَبِهِ هَذِهِ الثُّلْمَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لَنَا فِي زَمَانِنَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ الَّتِي تُنْسَبُ إلَى أَنَّهَا مِنْ السُّنَّةِ فَإِذَا نَبَّهَ عَلَيْهَا هَذَا الْعَالِمُ عُرِفَتْ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ مِنْهُمْ يَتْبَعُ وَيَمْتَثِلُ لِأَنَّ الْخَيْرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَمْ يُعْدَمْ مِنْ النَّاسِ وَإِنْ عُدِمَ فِي بَعْضِهِمْ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي آخَرِينَ

[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا قَعَدَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ]

(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا إذَا قَعَدَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ أَنْ يُخْلِصَ نِيَّتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى لِتَعَلُّمِ أَحْكَامِ رَبِّهِ وَتَعْلِيمِهَا لَعَلَّهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ مَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ ثُمَّ قَعَدَ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ نُودِيَ فِي السَّمَوَاتِ عَظِيمًا» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَيَنْفِي عَنْهُ الشَّوَائِبَ مَا اسْتَطَاعَ جَهْدَهُ وَهَذَا الَّذِي يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ. أَمَّا مَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ فَلَيْسَ هُوَ مُكَلَّفًا بِأَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015