الجانب الذي إليه وجهه، ولم يتقدم على الإمام، أما إذا كان عند واحد منهم أن وجه الإمام إلى جهة أخرى، أو هو تقدم على إمامه لا تجوز صلاته، أما إذا كان عنده أنه تقدم على إمامه فظاهر، وأما إذا كان عنده أن وجه إمامه إلى جانب آخر، فلأنه زعم فساد صلاة إمامه لما أنه زعم أنه ترك القبلة، وهذا بخلاف ما لو صلوا في جوف الكعبة، فإنه تجوز صلاة الكل من كان وجهه إلى الجانب الذي إمامه إليه، ومن كان وجهه إلى جانب آخر؛ لأن هناك أحد لم يزعم فساد صلاة الإمام لما أنه ترك القبلة؛ لأن كل جهة حق بيقين، أما ههنا الجهات كلها ليست بحق بيقين بل الحق جهة واحدة، ولهذا أمر بالتحري، ولو كانت كل جهة حقاً لما احتيج إلى التحري، إنما الحق عند كل مجتهد ما أدى إليه اجتهاده، وما عند صاحبه خطأ، وكثير من مسائل التحري ذكرناها في أول كتاب الاستحسان فلا نعيده.

قال محمد رحمه الله في «السير الكبير» : ولا يخرج الرجل إلى الجهاد وله أم أو أب إلا بإذنه؛ إلا في النفير العام، وهذا استحسان، وإن كان أبواه كافرين أو أحدهما، وكرها له ذلك، أو كره الكافر؛ فليتحر في ذلك، فإن وقع تحريه على أنه إنما كره لما يلحقه من المشقة لأجل ما يخاف عليه من القتل، فإنه لا يخرج من غير إذنهما، وإن وقع تحريه على أنه إنما كرهه كراهة أن يقاتل مع أهل دينه وملته يخرج بغير إذنهما، وإن لم يقع تحريه على شيء بل شك في ذلك، ومعناه استواء الظنين، لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في «الكتاب» ، قالوا: وينبغي أن لا يخرج؛ لأن طاعة الوالدين على الولد واجب بيقين وقع الشك في سقوطها، فلا يسقط بالشك، واستدلوا بما ذكر محمد رحمه الله في «السير» في باب طاعة الوالي: أن الإمام إذا أمر الجند بشيء وشكوا أنهم ينتفعون به أو يتضررون، وتساوى الظنان أن عليهم أن يطيعوا الأمير؛ لأن طاعة الأمير واجب بيقين وقع الشك في سقوطه فلا يسقط بالشك.

وفي «مجموع النوازل» : إذا اشتبهت عليه القبلة في مفازة، فتحرى ووقع تحريه على جهة، فأخبره عدلان أن القبلة إلى جهة أخرى، فإن كانا مسافرين لا يلتفت إلى قولهما؛ لأنهما يقولان عن اجتهاد، ولا يجوز للمجتهد ترك اجتهاده باجتهاد غيره، أما إذا كانا من أهل ذلك الموضع لا يجوز له إلا أن يأخذ بقولهما؛ لأن خبرهما فوق اجتهاده.

وفيه أيضاً: رجل صلى في مفازة بالتحري، فاقتدى رجل به، ولم يتحرَ المقتدي، ثم ظهر أن الإمام أصاب القبلة؛ جازت صلاتهما، وإن ظهر أنه أخطأ لم تجز صلاة المقتدي، وجازت صلاة الإمام؛ لأن تحري الإمام لا يصير تحرياً للمقتدي، فصار المقتدي مصلياً بغير تحر عند اشتباه القبلة فلا يجوز. وفيه أيضاً: قوم صلوا في مفازة بالتحري؛ وفيهم مسبوق ولاحق، فلما فرغ الإمام من الصلاة قاما يقضيان، فظهر الخطأ في القبلة أمكن للمسبوق إصلاح صلاته دون اللاحق؛ لأن المسبوق فيما يقضي ينفرد، وللمنفرد أن ينتقل إلى ما تحول رأيه إليه بخلاف اللاحق؛ لأنه في الحكم كأنه خلف الإمام، فليس له أن يخالف الإمام في الجهة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015