المحلي بالاثار (صفحة 2742)

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: تُؤْخَذُ ضَالَّةُ الْإِبِلِ كَمَا تُؤْخَذُ غَيْرُهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا كَانَ مِنْ الْخَيْلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْبِغَالِ، قَوِيًّا يَرِدُ الْمَاءَ، وَيَرْعَى لَمْ يُؤْخَذْ قِيَاسًا عَلَى الْإِبِلِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا وَمِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ لَا يَمْتَنِعُ أُخِذَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً مِنْ الْغَنَمِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا إنْ أَكَلَهَا - وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا ضَالَّةُ الْغَنَمِ فَمَا كَانَ بِقُرْبِ الْقُرَى فَلَا يَأْكُلُهَا، وَلَكِنْ يَضْمَنُهَا إلَى أَقْرَبِ الْقُرَى، فَيُعَرِّفُهَا هُنَالِكَ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي الْفَلَوَاتِ وَالْمَهَامِهِ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُهَا أَوْ يَأْخُذُهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَوَجَدَهَا حَيَّةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ وَجَدَهَا مَأْكُولَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا يَضْمَنُهَا لَهُ وَاجِدُهَا الَّذِي أَكَلَهَا. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيهَا إنْ وَجَدَهَا مَذْبُوحَةً لَمْ تُؤْكَلْ بَعْدُ. قَالَ: وَأَمَّا الْبَقَرُ فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهَا السَّبْعَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْغَنَمِ، وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا السَّبْعَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْإِبِلِ يُتْرَكُ كُلُّ ذَلِكَ وَلَا يُعْتَرَضُ لَهُ وَلَا يُؤْخَذُ. وَأَمَّا الْخَيْلُ، وَالْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ، فَلْتُعَرَّفْ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ النَّصَّ، إذْ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ وُجُودِ ضَالَّةِ الْغَنَمِ، وَلَيْسَ فِي النَّصِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ وُجُودِ الشَّاةِ صَاحِبُهَا حَيَّةً أَوْ مَأْكُولَةً، فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا - لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ وَلَا الْقِيَاسَ طَرَدَ - وَلَا قَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ الْتَزَمَ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يُبِيحَ الشَّاةَ لِوَاجِدِهَا أَصْلًا، كَمَا لَا يُبِيحُ سَائِرَ اللُّقَطَاتِ، إلَّا إنْ كَانَ فَقِيرًا بَعْدَ تَعْرِيفِ عَامٍ - وَلَا نَعْلَمُ فُرُوقَهُ هَذِهِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِ حُجَّةً أَصْلًا.

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُ جِهَارًا فَمَنَعَ مِنْ الشَّاةِ جُمْلَةً، وَأَمَرَ بِأَخْذِ ضَالَّةِ الْإِبِلِ - وَقَدْ غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا احْمَرَّ لَهُ وَجْهُهُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا هُوَ - يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ - فَيُعْذَرُ لِجَهْلِهِ بِالْآثَارِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْخَاسِرُونَ فَوَاَللَّهِ مَا لَهُمْ عُذْرٌ، بَلْ هُمْ قَدْ أَقْدَمُوا عَلَى مَا أَغْضَبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَانِيَةً، فَحَصَلُوا فِي جُمْلَةِ مَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [محمد: 28] فَمَا أَخْوَفُنَا عَلَيْهِمْ مِنْ تَمَامِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015