وإن لم يرجّوا منك خيراً رأيتهم ... جفاء وإعراضاً يولّونك الظَّهْرا

وينثون عنك المزريات وإن رأوا ... جميلاً أعاروه الغشاوة والوَقْرا

فلا تُصْغ سمعاً للذي ذم منهم ... ولا الذي أبدى الجميل وإن أطرى

فإن بني الدنيا عبيدُ هَواهُم ... على مركز الأهواء دَورتهم طُرّا

وإنَّ هواهم حيث ترتقب الغنى ... وليس هواهم حيث ترتقب الفقرا

إذا ما رأوا ذا الوفر لاذوا بذيله ... وإن لم ينالوا من سحائبه قطرا

وإنْ بصروا بالمملق اهتزءوا به ... ومدوا إليه طرفهم نظراً شزرا

وقالوا بغيض إن نأي ومتى دنا ... يقولوا ثقيل مبرم أدبر الفقْيرا

فإن غاب لم يفقد، وإن علَّ لم يُعَدْ ... وإن مات لم يشهد وإن ضاف لم يقرا

وفي اللهِ للمَرْءِ اللبيب كفاية ... عن الناس والمحروم من حرم الأجرا

لله الأمر من قبل ومن بعد

ذم المعاصرين ومدح المتقدمين

واعلم أن هذا الطبع مركوز في طينة الآدمي منذ كان غير مخصوص بأهل زمان، وإن كانت بعض الأزمنة يخصها الله بغير ما يكون في غيرها من خير أو شر " لعارض " غير أن الناس لما دهتهم هذه الداهية من تأذي بعضهم ببعض وعدم الظفر بالغرض من الغير جعل كل يستنقص أهل وقته لمشاهدة وعدم الجدوى فيهم ويمدح من مضى، أما من لم يدركه فلتوهمه أنه على خلاف من رأى وأما من أدركه فلانقطاع شره ووقوع الاستراحة منه مع بقاء بعض الجدوى في الوهم ونزوع النفس إلى الإلف المألوف فلا تسمع إلاّ فسد الزمان وذهب الناس، فمن ذلك قول بشار:

فسد الزمان وساد فيه المقرف ... وجرى مع الطرف الحمار الموكف

وقول الآخر:

ألا ذهب التكرّم والوفاء ... وباد رجاله وبقى الغُثاء

وأسلمني الزمان إلى أناس ... كأمثال الذئاب لهم عُواء

صديق كلما استغنيت عنهم ... وأعداء إذا نزل البلاء

أقول ولا ألام على مقالي ... على الإخوان كلهم العفاء

وقول الآخر:

ذهب الذين إذا رأوني مقبلاً ... هشوا وقالوا مرحباً بالمقبل

وبقيت في خلْفٍ كأن حديثهم ... ولغ الكلاب تهارشت في منهل

وقول الآخر:

ذهب الذين أحبهم ... وبقيت فيمن لا أحبه

إذ لا يزال كريم قو ... مٍ فيهم كلب يسبه

وقال منصور الفقيه:

يا زماناً ألبس الأح ... رار ذلاً ومهانهْ

لست عندي بزمان ... إنما أنت زمانَه

وقول الآخر:

مضى دهر السماح فلا سماح ... ولا يرجى لدى أحد فلاح

رأيت الناس قد مسخوا كلاباً ... فليس لديهم إلاّ النباح

وأضحى الظرف عندهم قبيحاً ... ولا والله إنهم القباح

سلام أهل ابليد عليكم ... فإن البين أوشكه الرواح

نروح فنستريح اليوم منكم ... ومن أمثالكم قد يستراح

إذا ما الحر هان بأرض قوم ... فليس عليه في هرب جناح

وقول الآخر:

مضى الجود والإحسان واجتث أهله ... وأحمد نيران الندى والمكارم

وصرت إلى ضرب من الناس آخر ... يرون العلى والمجد جمع الدراهم

كأنهم كانوا جميعاً تعاقدوا ... على اللؤم والإمسَاك في صلب آدم

" وللإمام الشافعي - رضي الله عنه -:

صديق ليس ينفع يوم باس ... قريب من عدو في القياس

وما يبقى الصديق بكل عصر ... ولا الإخوان إلاّ للتآسي

عمرت الدنيا متلمساً بجهدي ... أخا ثقة فأكداني التماسي

تنكرت البلاد عليَّ حتى ... كأن أناسها ليسوا بناس

وقال غيره:

هذا زمان تجاهل وتسامح ... وتغافل عن أهله فسد الورى

فإذا سمعت فكن كأنك ما سمع ... ت وإن رأيت فكن كأنك ما ترى

واجهد بنفسك في التخلص منهم ... فعساك تنجو إن نجوت وما أرى

أو لا فكن في قعر بيتك لا ترى ... إن كنت ترغب في النجاة وبالحرى

وقال أيضاً:

عم الفساد جميع الناس ويحهم ... يا ليتَ شعريَ ماذا بعد ينتظر

إن وعدُوا أخلفوا أو حدثوا كذبوا ... أو عهدوا غدروا أو خاصموا فجروا

أو ائتمنتهم خانوا فكن رجلاً ... منهم على حذر قد ينفع الحذر

وقال غيره:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015