ونمّ عليك الكاشحون وقبلهم ... عليك الهوى قد نم لو ينفع النم

وزادك إغراء بها طول بخلها ... عليك وأبلى لحم أعظمك الهم

وأصبحت كالنهدي إذ مات حسرة ... على أثر هند أو كمن سقي السم

وكأنه أراد: من سقيه السم فحذف الضمير.

ووردت امرأة جميلة مع ابن " لها " صغير " المدينة " فخطبت وكان ممن خطبها عبيد الله فقال فيها معرضاً ببراعة الفقهاء السبعة:

أحبك حباً لا يحبك مثله ... قريب ولا في العالمين بعيد

أحبك حباً لو علمت ببعضه ... لجُدْتِ ولم يصعب عليك شديد

أحبك يا أم الوليد متيمي ... شهيدي أبو بكر وذاك شهيد

ويعلم وجدي قاسم بن محمد ... وعروة ما ألقى بكم وسعيد

ويعلم ما أخفي سليمان كله ... وخارجه يبدي بنا ويعيد

متى تسألي عما أقول تخبري ... فللحب عندي طارف وتليد

ويحكى أنه لقيه بعد هذا سعيد بن المسيب يوماً فقال له: أما إنك قد أمنت أن تسألنا، ولو سألتنا ما شهدْنا لك بزور، وهذا من فكاهة أهل الحجاز ولطافتهم رضي الله عنهم.

وكان الإمام الشافعي - رضي الله عنه - وهو القائل مخبراً عن غزارة عنصره في ذلك:

ولولا الشعر بالفقهاء يزري ... لكنت اليوم أشعرَ من لبيد

فمن قوله:

ماذا يخبر ضيف بيتك أهله؟ ... إن سيل: كيف مَراده ومعاجه؟

أيقول جاورت الفرات ولم أنل ... رِفداً إليه وقد طغت أمواجه

ورقيت في درج العلى فتضاءلت ... عما أريد شعاره وفجاجه

ولتخبرنَّ خصاصتي بتملقي ... والماء يخبر عن قذاه

عندي يواقيت القريض ودُرُّه ... وعليّ إكليل الكلام وتاجه

تُرْبي على روض الرّبى أزهاره ... ويرِق في نادي الندى ديباجه

والشاعر المِنطيق أسود سالخ ... والشعر منه لعابه ومُجاجه

وعداوة الشعراء داء مُعضِل ... ولقد يهون على الكريم علاجه

والظاهر أنه قال هذا قبل اشتغاله بالفقه، فأنه لم يشتغل به حتى الآن في البادية وتوسع في العربية والشعر.

ويحكى عن أبي القاسم بن الأزرق الشاعر أنه قال: جئت الشافعي يوما فقلت: يا أبا عبد الله لك الفقه تفوز بفوائده، ولنا الشعر، فأردت مداخلتنا فيه، فأما أفردتنا الشعر، وإما أشركتنا في الفقه، وقد أتيت بأبيات إن أتيت بمثلها تبت عن الشعر، وإن عجزت تبت عنه، فقال: هات، فأنشدته:

ما همّتي إلاّ مقارعة العدا ... خَلِقَ الزمان وهمتي لم تخلَق

والناس أعينهم إلى سلب الفتى ... لا يسألون عن الحِجا والأوْلَقِ

لكن من رُزِق الحجا حُرِم الغنى ... هذان مفترقان أي تفرق

لو كان بالحِيَل الغنى لوجدتني ... بنجوم أقطار السماء تعلقي

فقال الشافعي: أنا أقول خيراً منه وأنشد مرتجلاً:

إن الذي رُزِقَ اليسارَ ولم ينلْ ... حمداً ولا أجراً لغيرُ موفَّق

فالجَدَ يدني كل شيء شاسع ... والجَدّ يفتح كل باب مغلق

فإذا سمعت بأن مجدوداً حوى ... عوداً فأثمر في يديه فحقق

وإذا سمعت بأن محروماً أتى ... ماء ليشربه فغاص فصدّق

وأحقّ خلق اللهِ بالهمِّ امرؤ ... ذو همة يبلى برزق ضيق

ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق

وقال أبو سعيد المكي: سمعت الشافعي رضي الله عنه ينشد:

رأيت نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها عرض المهامه والفقر

ووالله ما أدري أللفقر والغنى ... أقاد إليها أم أقاد إلى قبري

وكان ينشد رضي الله عنه:

يا لهف نفسي على مال أفرقه ... على الفريقين من أهل المروآت

إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ... ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات

وقال يونس بن عبد الأعلى: كان الشافعي يتمثل:

إذا أصبحت عندك قوت يوم ... فخلِّ الهم عني يا سعيد

ولم تخطر هموم غد ببالي ... لأن غداً له رزق جديد

أسلم إن أراد الله أمراً ... وأترك ما أريد لما يريد

توفي رضي الله عنه بمصر آخر يوم من رجب سنة سبع ومائتين، قال الربيع: لما دفناه رأينا هلال شعبان، وعاش أربعاً وخمسين سنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015