قال: ودخل قوم من حاشية المنصور وخدمه عليه فرأى منهم رجلاً عليه سوادٌ خلقٌ فقال له: يا فلان ما لي أرى سوادك منقطعاً، أما تقبض رزقك؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين ولكن أبي توفي وترك ديناً فبعت تركته في قضاء دينه وصرفت أكثر رزقي إلى حرمته وولده من بعده، فقال: أعد عليّ ما قلت، فأعاده، فقال: ما أحسن ما فعلت! اغد عليّ في غدٍ، فغدا عليه فوجد الربيع جالساً على الكرسي، فقال: قد سأل عنك أمير المؤمنين فادخل، فدخل فوجده قائماً يصلي، فقضى صلاته وقال: ألم آمرك أن تغدو؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما قصرت في الغدوّ عند نفسي، قال: خذ ما تحت تلك المُضَرّبة، وإذا السراج يزهر وسرير صغير في ناحية المجلس ينام عليه، فرفعت المضربة فإذا دنانير، فجعلت أحثوها في كمي ثم دعوت له هو وخرجت، فبصر بصفرة دينار في ضوء السراج، فدعا لي فقال لي: انظر ما على السرير، فإذا دينار فأخذته، فقال: ادن مني، فدنوت منه فعرك أذني تعريكاً شديداً فقال: تترك ديناراً وفيه نفقة يومك؟ قال: فأخذت الدينار، ووزنت الدنانير وإذا هي ألف دينار عددها تسعمائة وتسعة وتسعون ديناراً في عافية وأخذت واحداً بعرك الأذن.

قيل: وقال علقمة بن لبيد لابنه: يا بني إن نازعتك نفسك يوماً إلى صحبة الرجال لحاجتك إليهم فاصحب من إن صحبته زانك، وإن تخففت له صانك، وإذا نزلت بك نازلة مانك، وإن قلت صدّق قولك، وإن صلت به شدد صولك. اصحب من إذا مددت يدك لفضلٍ مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن بدت منك ثلمة سدها. اصحب من لا تأتيك منه البوائق ولا تختلف عليك منه الطرائق ولا يخذلك عند الحقائق.

وقال بعض الحكماء: إذا رأيت كلباً ترك صاحبه وتبعك فارجمه بالحجارة فإنه تاركك كما ترك صاحبه.

وقال آخر: اصحب من خوّلك نفسه وملّكك خدمته وتخيّرك لزمانه فقد وجب عليك حقه وذمامه، وكان يقال من قبل: صلتك، فقد باعك مروءته وأذلّ لقدرك عزّه.

وقال بعضهم: أنا أطوع لك من اليد وأذل من النعل.

وقال بعضهم: أنا أطوع لك من الرداء وأذل من الحذاء.

قيل: وقال ابن أبي دؤاد لرجل انقطع إلى محمد بن عبد الملك الزيات: ما خبرك مع صاحبك؟ قال: لا يقصر في الإحسان إليّ، قال: يا هذا إن لسان حالك يكذّب لسان مقالك.

مساوئ الصحبة قال: كان يوسف بن عمر يتولى العراقين لهشام بن عبد الملك، وكان مذموماً في عمله فحدّث المدائني قال: وزن يوسف بن عمر درهماً فنقص حبة فكتب إلى دور الضرب بالعراق فضُرب أهلها مائة سوط.

قيل: وخطب في مسجد الكوفة فتكلم إنسان مجنون فقال: يا أهل الكوفة ألم أنهكم أن يدخل مجانينكم المسجد؟ اضربوا عنقه! فضربت عنقه.

قال: وقال لهمّام بن يحيى وكان عامله: يا فاسق أخربت مهرجانقذق! قال: إني لم أكن عليها إنما كنت على ماه دينار وتقول أخربت مهرجانقذق! فلم يزل يوسف يعذّبه حتى قتله.

قال وقال لكاتبه: ما حبسك عني؟ قال: اشتكيت ضرسي، قال: تشتكي ضرسك وتقعد عن الديوان؟ ودعا له بالحجام وأمره بقلع ضرسين من أضراسه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015