قال: ودعا يحيى بن خالد البرمكي ابنه إبراهيم يوماً وكان يسمى دينار بني برمك لجماله وحسنه ودعا بمؤدبه وبمن كان ضُم إليه من كتّابه، وأجابه، فقال: ما حال ابني هذا؟ قالوا: قد بلغ من الأدب كذا وكذا ونظر في كذا وكذا قال: ليس عن هذا سألت، قالوا: قد اتخذنا له من الضياع كذا وغلته كذا قال: ولا عن هذا سألت إنما سألت عن بعد همته وهل اتخذتم له في أعناق الرجال منناً وحبّبتموه إلى الناس؟ قالوا: لا قال: فبئس العشراء أنتم والأصحاب، هو والله إلى هذا أحوج منه إلى ما قلتم! ثم أمر بحمل خمس مائة ألف درهم إليه ففرقت على قوم لا يدري من هم.

قال: وقال المأمون لولده وعنده عمرو بن مسعدة ويحيى بن أكثم: اعتبروا في علوّ الهمة بمن ترون من وزرائي وخاصتي، إنهم والله ما بلغوا مراتبهم عندي إلابأنفسهم، إنه من تبع منكم صغار الأمور تبعه التصغير والتحقير وكان قليل ما يفتقد من كبارها أكثر من كثير ما يستدرك من الصغار، فترفعوا عن دناءة الهمة وتفرغوا لجلائل الأمور والتدبير واستكفوا الثقات وكونوا مثل كرام السباع التي لا تشتغل بصغار الطير والوحش بل بجليلها وكبارها، واعلموا أن أقدامكم إن لم تتقدم بكم فإن قائدكم لا يقدمكم ولا يغني الولي عنكم شيئاً ما لم تعطوه حقه، وأنشده:

نحن الذين إذا تخمّط عصبةٌ ... من معشرٍ كنا لها أنكالا

ونرى القروم مخافةً لقرومنا ... قبل اللقاء تقطِّر الأبوالا

نرد المنية لا نخاف ورودها ... تحت العجاجة والعيون تلالا

نعطي الجزيل فلا نمنّ عطاءنا ... قبل السؤال ونحمل الأثقالا

وإذا البلاد على الأنام تزلزلبت ... كنا لزلزلة البلاد جبالا

ولبعضهم في أبي دلف:

له هممٌ لامنتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجلُّ من الدهر

له راحةٌ لو أن معشار جودها ... على البرّ كان البر أندى من البحر

ولو أن خلق الله في مسك فارسٍ ... فبارزه كان الخليَّ من العمر

أبا دلفٍ بوركت في كل وجهةٍ ... كما بوركت في شهرها ليلة القدر

ولغيره:

لا تهدمن بنيان قومٍ وجدتهم ... بنوا لك بنياناً وكن أنت بانيا

وإن زهد الأقوام في طلب العلى ... فسام بكفّيك الندى والمعاليا

عبد الله بن طاهر:

فتىً خصه الله بالمكرمات ... فمازج منه الحيا والكرم

إذا همةٌ قصّرت عن يدٍ ... تناول بالمجد أعلى الهمم

ولا ينكت الأرض عند السؤال ... ليثني زوّاره عن نعم

بدا حين أثرى لإخوانه ... ففلّل عنهم شباة العدم

وذكّره الحزم غِبَّ الأمور ... فبادر قبل انتقال النّعم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015