قال: وكتب أعرابي إلى حماد الراوية المعروف بعجرد، وكان حماد يسثقله:

إن لي حاجةً فرأيك فيها ... لك نفسي الفدا من الأوصاب

وهي ليست مما يُبلّغها غي ... ري ولا أستطيعها في كتاب

غير أني أقولها حين ألقا ... ك رويداً أسرّها باكتئاب

فكتب إليه: اكتب بالحاجة يا ثقيل. فكتب:

إني عاشقٌ لجبّتك الدك ... ناء عشقاً قد حال دون الشراب

فاكسنيها فدتك نفسي وأهلي ... أتمزّى بها على أصحابي

ولك الله والأمانة إني ... أجعلنها عمري أمير ثيابي

وقد قيل: إذا علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل.

ومما قيل فيهم من الشعر:

سألتك بالله إلا صدقت ... وعلمي بأنك لا تصدق

أتبغض نفسك من بغضها ... وإلا فأنت إذاً أحمق

ولآخر:

قل للبغيض أخي البغي ... ض ابن البغيض ابن البغيضه

أنت الذي حملتك أ ... مك بين فاحشة وحيضه

ضاقت على الثقلين من ... بغضائك الأرض العريضه

ودعت ملائكة السما ... ء عليك دعوى مستفيضه

ولآخر:

يا من تبرّمت الدنيا بطلعته ... كما تبرّمت الأجفان بالسهد

يمشي على الأرض مجتازاً فأحسبه ... من بغض طلعته يمشي على كبدي

ولآخر:

شخصك في مقلة النديم ... أثقل من رعية النجوم

يا رائحاً روحة علينا ... أثقل من سبة اللئيم

إني لأرجو بما أقاسي ... منك خلاصاً من الجحيم

ولآخر:

يا مفرعاً في قالب البغض ... بغضك يشكوك إلى بغض

كأنما تمشي على ناظري ... إذا تخطّأت على الأرض

ولآخر:

يا من له حركاتٌ ... على النفوس ثقيله

وليس يعرف معنى ... قصيرةٍ من طويله

أورثني بجلوسي ... إليك حمّى مليله

فاصفع لنفسك عنّي ... فإن كفّي عليله

ولآخر:

أيا من أعرض الربُّ ... عن العالم من بغضه

ومن عاذ مليك المو ... ت بالرحمن من قبضه

ويا من بغضه يشه ... د بالبغض على بغضه

مساوئ الحمقى

قيل في المثل: هو أحمق من عجل، هو عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وذلك أنه قيل له: ما سميت فرسك؟ ففقأ عينه وقال: الأعور، أو قال: سميته أعور. وقال الشاعر فيه وفي قومه:

رمتني بنو عجلٍ بداء أبيهم ... وأي امريءٍ في الناس أحمق من عجل

أليس أبوهم عار عين جواده ... فصارت به الأمثال تضرب في الجهل

ويقال: هو أحمق من هبنقة، وبلغ من حمقه أنه ضلّ له بعير فجعل ينادي: من وجد البعير فهو له. فقيل له: فلم تنشده؟ قال: وأين حلاوة الوجدان! واختصمت إليه بنو الطفاوة وبنو راسب في رجل ادّعى هؤلاء وهؤلاء، فقالت الطفاوة: هذا من عرافتنا. وقالت بنو راسب: هذا من عرافتنا. ثم قالوا: قد رضينا بأول طالع علينا. فطلع عليهم هبنّقة، فلما رأوه قالوا: إنا لله! من طلع علينا؟ فلما دنوا قصّوا عليه قصّتهم فقال هبنقة: الحكم في هذا بيّن، يُذهب به إلى نهر البصرة فيُلقى فيه فإن كان راسبياً رسب وإن كان طفاوياً طفا. فقال الرجل: لا أريد أن أكون من أحد هذين الحيين ولا حاجة لي في الديوان.

وكان هينقة يرعى غنم أهله فيرعى السمان في العشب وينحّي المهازيل عنه. فقيل له: ويحك ما تصنع؟ فقال: أُصلح ما أصلح الله وأُفسد ما أفسد الله. أو قال: لا أفسد ما أصلح ولا أصلح ما أفسد الله. وقال الشاعر:

عش بجدٍّ فلن يضرك نوكٌ ... إنما عيش من ترى بالجدود

عش بجدٍّ وكن هبنّقة العي ... سيّ نوكاً أو شيبة بن الوليد

رب ذي إربةٍ مقلٍّ من الما ... ل وذي عنجهيةٍ مجدود

وكان شيبة من عقلاء العرب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015